الاسرائيلي قد لعب دوره هنا إلى أبعد الحدود ، فهل كان بنو إسرائيل في مرحلة التيه هذه بقادرين على سحق المديانيين إلى هذا الحد؟ إني أشك في ذلك كثيرا ، وشكى معتمد على نصوص التوراة نفسها (١) ـ عن آيات القرآن الكريم (٢) ـ وكلها تتحدث عن جبن الإسرائيليين وتقاعسهم عن دخول الأرض الموعودة ، «لأن فيها الجبابرة بني عناق ، فكنا في أعيننا كالجراد» ، ولست أدري كيف يستطيع شعب ذليل لا يعرف سوى رائحة الشواء عند قدور اللحم في مصر ـ حتى وان استعبد من أجل ذاك وذلّ ـ أن يخوض المعارك ليدخل الأرض المقدسة ، فضلا عن أن يغزو المديانيين ، وأن يجعل بلادهم خرابا ، ثم إن الأحداث التالية ـ وبنص التوراة نفسها ـ تكذب ذلك كله.
ومن ثم فإن التوراة نفسها ، إنما تفاجئنا بعد كل هذا الضجيج ، وبعد كل ما زعمت أن بني إسرائيل قد فعلوه بالمديانيين ، وبعد أن استقر بنو يعقوب في فلسطين ، تفاجئنا بروايات تذهب فيها إلى أن المديانيين إنما كانوا يظهرون في فلسطين في كل عام ـ ولفترة ما ـ ينشرون الفزع والرعب بين الإسرائيليين بجمالهم السريعة ، ويمكننا أن نحس بهذا الرعب الذي كانوا ينشرونه من قصة «جدعون» ، حيث يشار إلى الجمال التي لا يحصى عددها ، والتي تسببت في أن الإسرائيليين كانوا لا يجدون حتى المأوى الذي يقيهم شر المديانيين ، في غير الكهوف ، وفي قمم الجبال (٣) ، ومن هنا
__________________
(١) عدد ١٣ : ١ ـ ٣٣ ، ١٤ : ١ ـ ٣٥
(٢) سورة المائدة : آية ٢٢ ـ ٢٦ ، وانظر : تفسير الجواهر ٣ / ١٥٤ ، تفسير روح المعاني ٦ / ١٠٦ ـ ١١٠ ، تفسير الطبرسي ٦ / ٦٥ ـ ٦٩ ، في ظلال القرآن ٦ / ١٢٤ ـ ١٢٩ ، تفسير الطبري ١٠ / ١٧١ ـ ١٩٠ ، تفسير الكشاف ١ / ٦١٩ ـ ٦٢١ ، تفسير النسفي / ٤٠١ ـ ٤٠٣ تفسير ابن كثير ٢ / ٥٣٢ ـ ٥٤١ (دار الاندلس ـ بيروت) ، في ظلال القرآن ٦ / ٨٥٦ ـ ٨٧١ ، تفسير أبي السعود ٢ / ١٧ ـ ١٩ ، تفسير القرطبي ٦ / ١٢٣ ـ ١٣٣
(٣) M.Noth ,The History ,of Israel ,P.١٦١