لهم البلاد ، وأذعن لطاعتهم العباد ، فصاروا تاج الأرض (١).
وبقي القوم على هذه الحال حينا من الدهر ، لا يدري الأخباريون مداه على وجه التحقيق ، أعرضوا بعده عن شكر الله على نعمائه ، وانغمس امراؤهم في الترف والملذات ، واللهو والشهوات ، منصرفين عن تدبير الملك ورعايته ، ومن ثم فقد بعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا ، فدعوهم إلى الله وذكروهم بنعمه عليهم ، وأنذروهم عقابه ، فأعرضوا ، وقالوا ما نعرف لله علينا من نعمة ، وكان نتيجة ذلك كله ، إن سلط الله عليهم سيل العرم ، فحمل السد وذهب بالجنان وكثير من الناس.
وهنا يجنح الأخباريون إلى الأساطير ، فيرون أن القوم إنما كانوا يعلمون ـ عن طريق كهانهم ـ إنما يخرب عليهم سدهم هذا فأرة ، فلم يتركوا فرجة بين حجرين ، إلا ربطوا عندها هرة ، وتمر الأيام ويصبح سيد القوم «عمرو بن عامر» الأزدي ، فيرى ـ فيما يرى النائم ـ كأنه انبثق عليه الردم فسال الوادي ، فأصبح مكروبا ، فانطلق نحو الردم ، فرأى الجرذ يحفر بمخاليب من حديد ، ويقرض بأنياب من حديد ، فانصرف إلى أهله وأخبرهم بالأمر ، ثم إنهم عمدوا إلى هرة ، فأخذوها وأتوا إلى الجرذ ، فصار الجرذ يحفر ولا يكترث بالهرة ، فولت هاربة.
على أن رواية أخرى تذهب إلى أن ذلك إنما كان من امرأة له كاهنة ـ يقال لها طريفة ـ رأت في منامها أن سحابة غشيت أرضهم فأرعدت وأبرقت ثم صعقت فأحرقت كل ما وقعت عليه ، ففزعت طريفه لذلك وأتت عمرا وأخبرته بالأمر ، فهدأها ، ثم دخل حديقة له ومعه جاريتان من
__________________
(١) الدميري ١ / ٤٤٥ ، تفسير الطبري ٢٢ / ٧٧ ـ ٨٥ ، مروج الذهب ٢ / ١٦١ ـ ١٦٢ ، وفاء الوفا ١ / ١١٦ ـ ١١٧ ، روح المعاني ٢٢ / ١٢٦ ـ ١٢٧ ، ابن كثير ٢ / ١٥٩ ، ياقوت ٥ / ٣٥ ، تفسير القرطبي ٢ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ، تفسير الجلالين (نسخة على هامش البيضاوي ٢ / ٢٥٨