جواريه ، فلما علمت طريفة بذلك ، جاءته ، غير أنها رأت في طريقها إليه ما يؤكد لها ما رأته في منامها ، وتستطرد الرواية فتصف ما رأته طريفة وتفسيرها له ، وحين يطلب منها زوجها علامة على نبوءتها المشئومة هذه تخبره أنه لو خرج إلى السد لوجد هناك جرذا يكثر بيديه في السد الحفر ، ويقلب برجليه من الجبل الصخر ، وينطلق عمرو إلى السد ، فإذا الجرذ يقلب برجليه صخرة ما يقلبها خمسون رجلا فرجع إلى طريفة وأعلمها الخبر ، ثم أنشد شعرا عربيا فصيحا.
ويستطرد الاخباريون في رواياتهم فيذهبون إلى أن الرجل وقد تأكد من وقوع المأساة ، كتم ذلك عن قومه ، وأجمع أمره أن يبيع كل شيء به بأرضه سبأ ، ومن ثم فقد دعا أصغر بنيه ـ ويدعى مالكا ـ أو ابن أخيه ـ ويدعى حارثة ـ أو يتيما كان قد رباه ، وقال له : إذا جلست في المجلس واجتمع الناس إليّ ، فإني سآمرك بأمر ، فأظهر فيه ـ العصيان ، فإذا ضربتك بالعصا ، فقم اليّ والطمني ، ثم قال لأولاده : فاذا فعل ذلك فلا تنكروا عليه ولا يتكلم أحد منكم ، فإذا رأى الجلساء فعلكم لم يجسر أحد منهم أن ينكر عليه ولا يتكلم ، فأحلف أنا عند ذلك يمينا لا كفارة لها أن لا أقيم بين أظهر قوم قام إلى أصغر بنيّ فلطمني فلم يغيروا.
وينفذ عمرو وأولاده ما اتفقوا عليه ، ويعرض الرجل ضياعه للبيع ، ويبتاع الناس منه كل ما له بأرض مأرب ، غير أنهم لم يلبثوا إلا قليلا حتى أتى الجرذ على الردم تستأصله ، فبينما القوم ذات ليلة بعد ما هدأت العيون إذا هم بالسيل فاحتمل أنعامهم وأموالهم وخرب ديارهم ، ولم يبق من الأرض والكروم إلا ما كان في رءوس الجبال.
وتفرق القوم في البلاد ، فذهب أولا جفنة إلى الشام ، ونزل الأوس والخزرج في يثرب ، وسارت ازد السراة إلى السراة ، وازد عمان إلى عمان ، وذهب مالك بن فهم إلى العراق ، ونزلت طيء بأجأ وسلمى ، ونزلت أبناء