ومنها (ثانيا) تلك الأسطورة التي تزعم أن السد إنما تهدم بفعل جرذ له مخالب وأنياب من حديد ، وهو سبب لا يمكن أن يكون مقبولا إلا في عالم الأساطير ، وكما سنعرف فيما بعد ، فإن السد إنما تصدع عدة مرات ، كان آخرها في عام ٥٤٣ م ، وبفعل عوامل لا دخل لفأر كانت له أنياب من حديد فيها بحال من الأحوال ، ومنها (ثالثا) أن الرواة أنفسهم ، إنما يذهب فريق منهم إلى أن الماء قد سأل إلى موضع غير الموضع الذي كانوا ينتفعون به ، وبذلك خرجت جناتهم.
ومنها (رابعا) تلك النبوءات التي ملئوا بها صفحات كتبهم ـ والتي أشرنا إلى بعضها آنفا ـ عن خراب السد ، وكأن أصحابنا الأخباريين ـ وكذا المفسرين ـ يسلمون بأن الكهان إنما يعلمون الغيب من الأمر ، ونسوا ـ أو تناسوا ـ أن الله وحده هو «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ» (١) ، ومنها (خامسا) ذلك الخلاف بين الروايات فيمن تكهن بخراب السد ، ففريق يذهب إلى أنه «عمرو بن عامر الازدي» ، بينما يذهب فريق ثان إلى أن زوجته الكاهنة «طريفة» هي صاحبة النبوءة الأولى ، هذا إلى جانب فريق ثالث ذهب إلى ان ذلك إنما كان أخاه «عمران».
ومنها (سادسا) تلك الوسيلة التي لجأ إليها سيد القوم «عمرو بن عامر» في الحصول على كل أمواله بعد أن علم عن طريق نبوءاته ـ أو
__________________
(١) يروي البخاري في صحيحه ان جويريات جلسن يضربن بالدف في صبيحة عرس الربيع بنت معوذ الأنصارية ، ثم جعلن يذكرن آباءهن من شهداء بدر ، حتى قالت جارية منهن «وفينا نبي يعلم ما في غد» فقال صلىاللهعليهوسلم «لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين» (أنظر : النبأ العظيم ص ٣٣) ، ويقول الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه «قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ ، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ» (الانعام : آية ٥٠) ويقول سبحانه وتعالى «وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ» (الأعراف : آية ١٨٨) فهل هذا يتفق وروايات المؤرخين والمفسرين عن نبوءات القوم عن خراب السد؟