نبوءات زوجته أو أخيه ـ بخراب السد ، هل تتفق هذه الحيلة ومكانة الرجل كسيد لقومه ، بل هي تتفق والخلق العربي؟ ثم أليست هي حيلة ساذجة ، يبدو الاختراع فيها واضحا ، فضلا عما تدل عليه من طبع دنيء وخلق غير كريم ، ما عهدناه في سادات القبائل العربية من قبل.
ومنها (سابعا) تلك الصورة التي تقدمها الروايات عن الرخاء الذي عمّ بلاد سبأ ، وعن خلوها من كل الحشرات الضارة ، فلا يرى فيها برغوت ولا بعوض ولا عقرب ولا حية ولا ذباب ، وأن الركب إنما كانوا يأتون وفي ثيابهم القمل وغيره ، فإذا ما وصلوا إلى مأرب ماتت ، لطيب هوائها ، ولست أدري كيف استطاع السبئيون ، أو كيف استطاع أصحاب هذه الروايات أن يخلصوا السبئيين من كل هذه الحشرات الضارة ، وما هي وسيلتهم إلى ذلك؟ إلا أن يكون الخيال هو الذي دفعهم إلى أن يقولوا ما قالوا ، وإلا أن يكون السبئيون قد توصلوا إلى طريقة ـ لا نعرفها حتى الآن ـ استطاعوا أن يتخلصوا بها من هذه الحشرات الضارة ، وليست هذه الوسيلة على أي حال ، طيب هواء سبأ ، كما يظن أصحابنا المفسرون والأخباريون.
ومنها (ثامنا) تلك المبالغات عن الرخاء والأمن الذي ساد البلاد ، حتى أن المرأة لتخرج واضعة مكتلها على رأسها ، فتمشي تحت الأشجار ـ وهي تغزل أو تعمل ما شاءت ـ فلا تعود إلى بيتها إلا وقد امتلأ مكتلها مما يتساقط من الثمار ، فهل هذا صحيح؟ وهل صحيح كذلك أن قوما تضطر نساؤهم إلى العمل ، حتى وهن سائرات في الطرق يجمعن ما تساقط من ثمار الأشجار ، يمكن أن نقول عنهم أنهم وصلوا إلى درجة من الرخاء لم يصلها غيرهم ، وأي رخاء هذا الذي تضطر فيه نساء القوم إلى التجول بين الأشجار لجمع بقايا الفواكه التي تتساقط من أشجارها.