ومنها (تاسعا) تلك الصورة الأخرى التي يذهب فيها الأخباريون إلى أن المرأة لتخرج ومعها مغزلها ومكتلها ـ مرة أخرى ـ تروح من قرية وتغدوها ، وتبيت في قرية لا تحمل زادا ولا ماء لما بينها وبين الشام ، فهل هذا صحيح؟ أم أنها مجرد كلمات؟ وهل صحيح كذلك أن هناك قرى متصلة بعضها بالبعض الآخر فيما بين اليمن والشام؟ ليت الذين كتبوا ذلك كله يتذكرون أن طريق القوافل بين اليمن وشمال بلاد العرب ، إنما كانت ـ ولا زالت ـ تمر في صحراء مقفرة ، وأن القرى حتى الآن بعيدة عن بعضها ، ثم وهل كانت المرأة حقا تأمن على نفسها في صحراوات بلاد العرب ، في وقت كان السبي فيه أمرا معهودا ، ثم وهل من علامات الرخاء ان تمشي المرأة من اليمن إلى الشام ، تروح من قرية إلى اخرى ، ثم تبيت في ثالثه ، لا تحمل زادا ولا ماء ، وكأن الرخاء الذي يتحدثون عنه لا يتوفر إلا في الزاد والماء.
ومنها (عاشرا) تلك المبالغة التي يصفون بها جرذهم الذي خرب السد ، حتى أنه كان يقلب برجليه صخرة ، يعجز عنها خمسون رجلا ، ومنها (حادي عشر) ذلك الشعر الذي قاله «عمرو بن عامر الازدي» ، بلغة عربية بليغة إلى أرقى درجات البلاغة ، فهل صحيح أن عمرا هذا قال هذا الشعر ، أم أن الرجل بريء مما نسب إليه ، كما هو بريء مما سجله الأخباريون على لسانه ـ ولسان زوجته طريفة ـ من نثر هو غاية في الفصاحة والبلاغة ، ومرة أخرى ليت الذين نسبوا الى الرجل وزوجته من شعر أو نثر ، كانوا يعلمون أن سكان اليمن قبل الإسلام كانوا ينطقون بلهجات تختلف عن لهجة القرآن الكريم ، وأن من يأتي بعدهم سوف يكتشف سر «المسند» ـ الخط الذي يكتب به في جنوب بلاد العرب ـ ومن ثم يتمكن من قراءة نصوصه والتعرف على لغته ، وأن عربيته تختلف عن هذه العربية التي تدوّن بها ـ والتي زعم الأخباريون أن عمرا وزوجته قالا