«التابوت» التي جاءت في قوله تعالى : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (١) ، أيكتبونه بالتاء أو الهاء ، فقال زيد : إنما هو «التابوة» ، وقال الثلاثة القرشيون : إنما هو «التابوت» ، فتراجعوا إلى عثمان ، فقال : اكتبوه بلغة قريش ، فإن القرآن نزل بلغتهم» (٢).
والقضية التي ينبغي أن نناقشها الآن ـ فيما يرى الدكتور عبد الصبور شاهين ـ هي أهمية عمل عثمان من الناحية القرائية ، فإذا كان عمل عثمان مقتصرا على نسخ مصاحف عدة من المصحف الذي كتبه زيد في عهد أبي بكر ، فأية قيمة يمكن أن تكون لهذا العمل؟ وقد يزداد الأمر أهمية ، إذا ما علمنا أن مصحف أبي بكر كان مكتوبا ـ كما هو المنطق ـ على حرف واحد ، والأمر كذلك بالنسبة إلى كتاب الوحي على عهد رسول الله ، وإذا كان زيد بن ثابت ـ طبقا لما ورد في الأحاديث الصحيحة ـ من أكثر كتاب الوحي ملازمة لرسول الله ، (صلىاللهعليهوسلم) ثم هو قد قام بكتابته على عهد أبي بكر ، وعلى عهد عثمان ، فان ذلك يدلنا على أن منهج الكتابة كان واحدا في المراحل الثلاثة تقريبا ، إلا ما ارتآه عثمان من تجريد رسمه من الإعجام حتى يتسع الرسم لكثير من الوجوه التي صح نقلها عن النبي (صلىاللهعليهوسلم) ، أي إضفاء صفة الشرعية على القراءات المختلفة التي كانت تدخل في إطار النص المدون ، ولها أصل نبوي مجمع عليه ، ثم إن هدفا آخر قد تحقق بعمل عثمان ، هو التقريب اللغوي ما بين وجوه القراءة المتلوة آنذاك في الأمصار المختلفة ، والقضاء على الخلاف الذي كاد أن يعصف
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٢٤٨ وانظر : وتفسير الطبري ٥ / ٣١٥ ـ ٣٢٨ ، تفسير الكشاف ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ (دار الكاتب العربي ـ بيروت) ، تفسير ابن كثير ١ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦ ، تفسير وجدي ص ٥١
(٢) تفسير القرطبي ١ / ٥٤ ، فضائل القرآن ص ٢٠ ، البرهان ١ / ٣٧٦ ، الاتقان ١ / ٩٨ ، مدخل الى القرآن الكريم ص ٣٨ ـ ٣٩ ، مقدمتان في علوم القرآن ص ١٩ ، محمد أبو زهرة ص ٣٩