بوحدة الجماعة ، أي أن عمل عثمان كان من مقاصده أساسا نشر النص القرآني بلسان قريش ، وإرساء هذا التقليد اللغوي الذي سبقته مقدمات كثيرة في عهد أبي بكر وعمر ، رضياللهعنهما ، ذلك لأن الخليفة الراشد إنما كان يعتبر التمارى في القرآن نوعا من الكفر (١).
ومن ثم فليس صحيحا ما ذهب إليه البعض من أنه قد يكون هناك غرض سياسي بقصد التقليل من نفوذ القراء الذي تزايد بسبب أنهم وحدهم الذين يعرفون مضمون القرآن ، بأن يوجد له نصا مقروءا (٢) ، فما كان للسياسة دخل عند صحابة رسول الله في شئون القرآن الكريم.
وعلى أي حال ، فلقد ساعد عثمان على تحقيق أهدافه من جمعه للقرآن ، أنه قد أمر بإحراق كل ما عدا مصحفه من صحف أو مصاحف كان قيّدها الصحابة والآخذون عنهم ، وقد انصاع الناس لأمره في سائر الأمصار ، فيما عدا ما روي عن عبد الله بن مسعود من أنه عارض ذلك ، وأمر الناس في الكوفة بالتمسك بمصحفه ـ كما أشرنا آنفا ـ لشبهة اعترته ، هي ظنه أن زيدا قد انفرد بالعمل ، وقد كان هو أولى من يقوم به ، فلما علم بعد ذلك أن موقفه قائم على شبهة لا أكثر ، وأن المصحف الذي أرسله عثمان هو نسخة من جمع أبي بكر ، الذي أخذ عن صدور الرجال ، وعن العسب واللخاف ، التي كتبت على عهد رسول الله وبإملائه ، وإن زيدا لم ينفرد بالعمل ، بل شاركه فيه جمع كبير من الصحابة ، وأجمع عليه المسلمون جميعا ، وافق اقتناعا أولا ، وحفاظا على وحدة الأمة ثانيا ، وبذلك تمت موافقة الأمة كلها على مصحف عثمان ، حتى قال مصعب بن
__________________
(١) عبد الصبور شاهين : تاريخ القرآن ص ١١٦ ـ ١١٧ ، البرهان ١ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، البخاري ٣ / ١٩٦ ـ ١٩٧
(٢) عبد المنعم ماجد : المرجع السابق ص ٢٥٢ ، قارن R.Blachere ,oc - cit PP.٦٥ ـ ٠٦