لأن الأدلة الأثرية شبه معدومة ، وأقوال المفسرين والأخباريين تكاد لا تقدم علما يعتمد عليه ، أو أدلة قوية تساند وجهة النظر هذه أو تلك ، وإن كانت الأحوال الداخلية في اليمن قد تشير إلى اضطراب في الأمن ، وإلى تدخل الأجانب في شئون البلاد ، فضلا عن ظهور عقائد دينية جديدة ، وأخيرا فإن «شرحبيل يعفر» ما أن يختفي من المسرح ، حتى يعتلي العرش «عبد كلال» ، وهو ـ فيما يرى فلبي ـ كان من قبل كاهنا وشيخا لقبيلة ، نجح بمساعدة الأحباش ـ الذين أصبحوا أصحاب شأن في شئون العربية الجنوبية ـ في أن يغتصب العرش لمدة خمس سنوات (٤٥٥ ـ ٤٦٠ م) (١).
هذا ويذهب بعض الباحثين إلى أن التهدم الذي ورد في القرآن الكريم ، إنما كان آخر تهدم (٢) ، ويضيف آخرون إلى أنه ربما قد حدث فيما بين عامي ٥٤٢ م ، ٥٧٠ م ، وأن السد لم يصلح هذه المرة ، ومن ثم فقد ترك الناس مزارعهم ، واضطروا إلى الهجرة منها ، وإلى ذلك وردت الإشارة في القرآن الكريم (٣) ، بل إن صاحب هذا الإتجاه إنما يحاول مرة أخرى أن يحدد عام ٥٧٥ م (أي بعد مولد الرسول (صلىاللهعليهوسلم) كتاريخ لحدوث هذا التصدع الخطير ، الذي لم يمكن التغلب عليه بسبب الأحوال السياسية التي سادت العربية الجنوبية وقت ذاك ، من اضطراب للأمن ، ومن تدخل الأجانب في شئون البلاد ، وبالتالي فقد أهمل السد ولم تتدخل الحكومة في إصلاحه (٤).
غير أن هذا الاتجاه إنما يتجاهل أمورا كثيرة ، منها (أولا) أنه إنما يحدد
__________________
(١) J. B. iPhilby, Arabian Highiands, P. ٠٦٢, The Background of Islam, P. ٣٤١
(٢) احمد فخري : المرجع السابق ص ١٨٠
(٣) جواد علي ٢ / ٢٨٣
(٤) جواد علي ٧ / ٢١٠