والواقع أن هذه الهجرات أنما تؤكدها عدة أمور ، منها (أولا) أن منطقة مأرب إنما تعود خصوبة الأرض فيها إلى سد مأرب ، أما وقد تعطل السد وأدى خرابه إلى خراب الحضريين وانكفائهم إلى حياة البداوة ، والبحث عن أماكن جديدة ، فربما كان أمرا لم يقتصر على منطقة مأرب وحدها ، بل ربما شمل كذلك منطقة حضرموت ، حيث تدل منشآت الري المهملة وسط الصحراء على تدني الحياة الحضرية ، ومنها (ثانيا) أن هناك من بين الأمراء المؤابيين في شرق الأردن أميرا يدعى «شرحبيل» وهو اسم عربي جنوبي ، كما أننا نجد كذلك بعض أمراء شرق الاردن الذين ينتسبون إلى قبيلة كندة اليمنية في القرن الخامس يسمون «شرحبيل» و «معدي كرب» (١).
ومنها (ثالثا) وجود قبائل في المناطق الشمالية والجنوبية من بلاد العرب لها أسماء موحدة كقبيلة كندة التي نزل قسم منها نجدا ، ونزل القسم الآخر حضرموت ، وقبيلة الأزد التي نزل قسم كبير منها في السراة في الحافة الشمالية من اليمن ، في حين استقر القسم الآخر في «عمان» ـ كما أن قبيلتي الأوس والخزرج تنتسبان إلى الأزد ـ وكذلك القول في قبيلة «إياد» التي يضرب بعض أفرادها في وادي بيشة ـ الذي ينبع من مرتفعات عسير الشرقية قرب مدينة أبها ـ بينما ضربت أكثريتها في السهول الغربية من الفرات الأسفل (٢)
هذا وهناك فريق الباحثين يشكك في أن يكون السيل وحده هو سبب
__________________
(١) بلاشير : المرجع السابق ص ٣٠ ، وكذا Caussin de Perceval, Essaisur l\'Histoire des Arabes, ٢, P. P. ٠٥٢ ـ ٣٥
(٢) ريجيس بلاشير : المرجع السابق ص ٣٠ ـ ٣١ ، دائرة المعارف الإسلامية ٣ / ١٦٩ ـ ١٧٢ (طبعة الشعب)