فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب : أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وانك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدلّ علي».
وينجح الغلام بعد ذلك في أن يبرئ الأكمه والأبرص وفي أن يشفي الناس من أوجاعهم ، وفي أن يرد لواحد من رجال البلاط بصره ، وما أن يعلم الملك بالأمر الأخير ، حتى يسأل رجل بلاطه عن الذي رد عليه بصره ، فيجيبه : إنما هو ربي ، فيقول له الملك : ولك رب غيري ، فيقول : ربي وربك الله ، فما كان من الملك إلا أن يعذب رجل بلاطه ، الذي يعترف بأمر الغلام ، وهنا يأمر الملك بقتله ، فضلا عن قتل الراهب ، بعد أن عرض عليهما أن يتركا دينهما الجديد ، فلما رفضا شق رأس كل منهما بمنشار.
غير أن الملك إنما يفشل تماما في قتل الغلام ، بعد أن جرب معه وسائل مختلفة ، منها القاؤه من فوق قمة جبل ، ومنها قذفه في البحر ، ومنها ضربه بسيف ، وأخيرا يدله الغلام على الطريقة الوحيدة لقتله ، وذلك بأن يجمع الناس ، ثم يرميه بسهم ، قائلا : «بسم الله رب الغلام».
وهكذا يقتل الغلام ، ولكن الناس ـ وقد رأوا كل ما حدث ـ إنما يؤمنون برب الغلام ، فيغضب الملك ويأمر بقتل المؤمنين ومن ثم فإنه يأمر بالأخدود (١) في أفواه السكك ، ثم يضرم النار ، ويعرض عليها الناس ، فمن رجع عن دينه الجديد تركه ، ومن أصر على الإيمان ألقاه في الأخدود فأحرقه ، حتى أن امرأة جاءت ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع في النار ، فقال لها صبيّها : امض يا أماه فإنك على الحق ، فاقتحمت
__________________
(١) الأخدود : الشق في الأرض يحفر مستطيلا ، وجمعه الأخاديد ، ومصدره الحد ، وهو الشق ، يقال خدّ من الأرض خدا ، وتخدد لحمه إذا صار فيه طرائق كالشقوق (تفسير الفخر الرازي ٣١ / ١١٩ ، وانظر : تفسير جزء عم للآلوسي ص ٨٧ ـ ٨٨