وهناك رواية ثالثة تذهب إلى أن قوما من المجوس سكر ملكهم فوقع على أخته ـ أو ابنته ـ ثم أراد أن يجعل ذلك شرعا في رعيته ، فخطب الناس بأن الله ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ قد أحل نكاح الأخوات أو البنات ، فرفض القوم متابعته في شريعته هذه ، فأشارت عليه تلك التي وقع عليها أن يخد لهم أخدودا ، فمن أبى قذف به في النار ، ومن لم يأب تركه ، هذا إلى رواية رابعة يذهب أصحابها إلى أن هناك نبيا بعث في الحبشة فآمن به خلق كثير ، فخذ لهم قومهم أخدودا ثم أخذوا يعرضون الناس عليه ، فمن أتبع النبي قذف به في الأخدود ، ومن تابعهم تركوه.
وأيا ما كان الأمر في هذه الروايات ، فإن أصحابنا الأخباريين يذهبون إلى ان واحدا من أهل نجران الذين عذّبهم ذو نواس ـ ويقال له دوس ذو ثعلبان ـ قد استطاع أن يهرب على فرس له ، فسلك الرمل فأعجزهم ، فمضى على وجهه ذلك ، حتى إذا أتى الامبراطور الروماني «جستين» (٥١٨ ـ ٥٢٧ م) فاستنصره على ذي نواس وجنوده ، وأخبره بما بلغ منهم ، فقال له القيصر : «بعدت بلادك من بلادنا ونأت عنا ، فلا نقدر على أن نتناولها بالجنود ، ولكني سأكتب إلى النجاشي ملك الحبشة ، وهو على هذا الدين وقريب منكم».
ويكتب القيصر إلى النجاشي يأمره بنصرة دوس هذا ، وينفذ الملك الحبشي ما أمر به العاهل الروماني ، فيرسل مع دوس سبعين ألفا من الرجال ، على رأسهم «أرياط» ـ وفي جنوده أبرهة الأشرم ـ ويأمره إن ظفر باليمن : «أن يقتل ثلث رجالهم ، وأن يخرب ثلث بلادهم ، وأن يسبي ثلث نسائهم وأبنائهم» (١).
ويخرج الجيش من الحبشة ، فينزل بسواحل اليمن ، ويجمع ذو نواس
__________________
(١) تفسير القرطبي ١٩ / ٢٩٠ ، تفسير الألوسي ٣٠ / ٨٨ ـ ٨٩ ، تفسير الفخر الرازي ٣١ / ١١٨.