بها» ، فلما وجه أرياط الثقات من رجاله لاستلام خزائن اليمن ، كتب ذو نواس إلى كل ناحية : أن اذبحوا كل ثور أسود في بلدكم ، فقتلت الحبشة ، فلم يبق منهم إلا الشريد ، فلما بلغ النجاشي ذلك جهز إليهم سبعين ألفا ، عليهم قائدان ، أحدهما أبرهة الأشرم ، فلما وصلوا الى صنعاء (١) ، وأدرك ذو نواس أنه لا طاقة له بهم ركب فرسه ، واعترض البحر فاقتحمه ، فكان آخر العهد به (٢).
هذه هي أهم الروايات العربية التي تحدثت عن غزو الحبشة ، والسيطرة عليها قرابة نصف قرن من الزمان ، إلا أن هناك بعض النقاط التي تدعو إلى التساؤل في هذه الروايات ، منها (أولا) ذلك الخلاف في أسباب تلك المذبحة الرهيبة التي حدثت في نجران ، ففريق يذهب إلى أن السبب إنما كان لاعتناق القوم النصرانية ، وفريق آخر أنها كانت لنصرة رجل يهودي قتل نصارى نجران ولديه ، بل ان فريقا ثالثا إنما يذهب إلى أن السبب إنما كان لأن واحدا من الملوك أراد أن يجبر الناس على الزواج من
__________________
(١) بدأ اسم صنعاء (صنعو) يظهر في تاريخ اليمن منذ أيام الملك «الشرح يحصب» (من القرن الثاني ق. م. ، على رأي ، ومن القرن الأول ق. م. ، على رأي آخر) ، حيث تردد كثيرا من نصوص ذلك العهد (كما من نقوش جام ٥٧٥ ، ٥٧٧ ، ريكمانز ٥٣٥) ، ثم سرعان ما بدأت تأخذ مكانتها بين مدن اليمن ، حتى أصبحت آخر الأمر عاصمة البلاد ومقر الحكام حتى الآن (انظرP.K.Hitti ,op - cit ,P.٧٥ وكذاA.Jamme ,op - cit ,P.٣٩٣ وكذاJ.B.iPhibby ,op - cit ,P.٢٤١ وكذا (H.Von Wissman und M.Hofner ,op - cit ,P.٩١) وبدهي أن ذلك لا يتفق وروايات الاخباريين من أنها كانت تدعى «أزال» ، وأن «وهرز» القائد الفارسي هو الذي اطلق عليها اسم «صنعاء» حين قال إبان دخوله إياها «صنعة صنعة» ، يريد أن الحبشة قد أحكمت صنعها ، أو أن التسمية كانت نسبة إلى بانيها «صنعاء بن أزال بن عبير بن عابر بن شالخ» على رواية ، و «غمدان بن سام بن نوح» على رواية أخرى ، فكانت تعرف تارة بأزال وتارة بصنعاء (ياقوت ٣ / ٤٢٦ ـ ٤٢٧ ، البكري ٣ / ٨٤٣)
(٢) تاريخ الطبري ٢ / ١٢٥ ، ١٢٧ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٦٠ ـ ٦١ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ١٩٩ ـ ٢٢٠ ، تاريخ الخميس ص ٢٢٠