شبه الجزيرة العربية ، فقوي ساعد مسيحي بلاد العرب الجنوبية ، واتخذ من «نجران» مركزا رئيسيا لحملته الدينية ، فنجد جماعة مسيحية في صحراء اليمامة ، في منتصف الطريق بين اليمن والحيرة ، فضلا عن جماعة أخرى في يثرب ، وعلى امتداد الطريق التجاري إلى فلسطين وسورية (١) ، وتبع ذلك بناء الكنائس في أنحاء مختلفة من اليمن ، لعل أهمها مأرب ونجران وصنعاء ، وفي هذه الأخيرة بنى أبرهة كنيسته المشهورة «القليس» ، بغية أن يصرف الحجيج عن مكة إلى صنعاء ، فسيفيد من ذلك فوائد مادية وأدبية وسياسية ، وبالتالي فقد كان ذلك سببا في حملته المشهورة على مكة.
ويبالغ الأخباريون كثيرا في وصف كنيسة القليس هذه ، حتى أنهم يرون أن أبرهة لما أتمّ بناءها كتب إلى النجاشي يقول «إني قد بنيت لك بصنعاء بيتا لم تبن العرب ولا العجم مثله» ، أو «إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب (٢)».
ويروي الأخباريون أن القليس إنما بنيت بجوار قصر غمدان ، وبحجارة من قصر بلقيس في مأرب ، وأن أبرهة قد كتب إلى قيصر الروم يطلب منه الرخام والفسيفساء ومهرة الصناع ، وأنه قد أستعمل في بنائها طبقات من حجر ذي ألوان مختلفة ، لها بريق وأنه نقشها بالذهب والفضة والفسيفساء وألوان الأصباغ وصنوف الجواهر ، وطعموا بابها بالذهب واللؤلؤ ، ورشوا حوائطها بالمسك ، وأقاموا فيها صلبانا منقوشة بالذهب والفضة والفسيفساء ، وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق
__________________
(١) فؤاد حسنين : المرجع السابق ص ٣٠٤
(٢) الازرقي ١ / ١٣٨ ـ ١٣٩ ، تفسير الطبري ٣٠ / ٣٠٠ ، تفسير القرطبي ٢٠ / ١٨٧ ، تفسير الألوسي ٣٠ / ٢٢٣ ، ابن كثير ١ / ١٧٠ ، ابن هشام ١ / ٤٣ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٥٤٨