دور المنفذ لما ارتآه مليكه ، على أن المعروف تاريخيا أن أبرهة إنما نظم هذه الحملة من حيث هو حاكم مستقل ، فضلا عن أن السبب الذي قدمه القرطبي ، لا أظنه بكاف لأن يدفع النجاشي بقوات الحبشة إلى مكة ، ثم ما هي الصلة بين حرق بيعة في الحبشة بدون قصد ، وبين حملة أبرهة على مكة ، حتى لو افترضنا أن رواية القرطبي صحيحة ، ثم أليس في الإمكان أن يعاقب الجناة هناك في الحبشة ، بل أما كان في الإمكان منع تجار قريش من النزول بأرض النجاشي والاتجار فيها ، لكن أن يكون العقاب هو هدم الكعبة ، فلا أظن أن وراء ذلك أسبابا أخرى ، فما كانت سياسة الدول تدار بهذه الطريقة ، ولن تكون.
وأما الرواية التي ذهبت إلى أن الحملة إنما كانت لأن بني كنانة قتلوا «محمد بن خزاعي» الذي اختاره أبرهة واليا على مضر من قبله ، كما فعل نفس الشيء من قبل مع معد ، فربما كانت أقرب من غيرها إلى الصواب ، لأن قتل محمد هذا ، يتعارض تماما وما يريده أبرهة من فرض نفوذه على مضر ، فالهدف إذن لم يكن هدم الكعبة لذاتها ، بقدر ما كان رمزا لفرض النفوذ الحبشي على الحجاز ، بعد أن تمت السيطرة على اليمن ، وفرض نفوذ أبرهة على معد.
أضف إلى ذلك أن هناك بعض الملاحظات على هذه الروايات بصفة عامة ، منها ذلك الخلاف بين الروايات العربية في أسباب الحملة ، ومنها قصة أبي رغال ، والتي تكررت ـ كما أشرنا من قبل ـ في قصة ثمود قوم صالح عليهالسلام ، ومنها ذلك الحديث الذي همس به «نفيل بن حبيب الخثعمي» في أذن الفيل ، ومنها ذلك الحديث الذي دار بين مسعود بن معتب سيد ثقيف وبين قائد الحملة ، والذي يفهم منه أن أبرهة ما كان يعرف طريقه إلى مكة ، فهل يعدّ الرجل ذلك الجيش الجرار ، دون أن