بصحة سبب من هذه الأسباب ، وعدم صحة آخر ، فشل ذريع لحملة ظلوم من طاغية غشوم ، أراد بالبيت الحرام سوءا ما بعده سوء ، فحمى الله بيته ، وأهلك عدوه ، حتى أن المراجع تكاد تجمع على أن أبرهة لم يبلغ صنعاء ، إلا بعد جهد جهيد ، وهناك مات مشيعا بلعنات العرب من كل أنحاء شبه الجزيرة العربية ، ومقدما في الوقت نفسه العبرة لكل ظالم جبار تسول له نفسه أن يفكر في الاعتداء على بيت الله الحرام وآله.
وكان من نتائج الحملة أن علت مكانة عبد المطلب الدينية والأدبية علوا كبيرا ، حتى كانت قريش تقول بعد ذلك «عبد المطلب إبراهيم الثاني» ، كما علت ، في الوقت نفسه ، مكانة قريش بين القبائل العربية ، وقالت العرب عنهم «أهل الله قاتل عنهم كفاهم مئونة عدوهم» (١).
هذا وقد اشار القرآن الكريم إلى هذا الحادث الجلل في سورة كاملة ، هي سورة الفيل ، يقول عزّ من قال : «ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، ألم يجعل كيدهم في تضليل ، وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل ، فجعلهم كعصف مأكول».
وأخيرا فإن هذا النصر العظيم الذي أعطاه الله للعرب على أبرهة ، إنما كان ارهاصا بدعوة المصطفى (صلىاللهعليهوسلم) وشرفه العظيم ، فضلا عن دلالة واضحة على شرف البيت الحرام ، وحماية الله له من كل ظالم غشوم ، وإجابة لدعوة الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ «رب أجعل هذا بلدا آمنا (٢)».
__________________
(١) ابن هشام ١ / ٥٧ ، الازرقي ١ / ١٤٨ ، تفسير القرطبي ٢٠ / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، ٢٠٠
(٢) سورة البقرة آية ١٢٦ ، وانظر : تفسير الفخر الرازي ٣٢ / ٩٧ ، تفسير روح المعاني ٣٠ / ٢٣٣ ، تفسير القرطبي ٢ / ٥٠٢ ـ ٥٠٥ ، تفسير ابن كثير ١ / ٢٤٧ ـ ٢٥٣ ، تفسير المنار ١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٦ ، تفسير الطبري ٣ / ٤٤ ـ ٥٦ (دار المعارف) ، تفسير الكشاف ١ / ١٨٦