وهكذا كانت حملة أبرهة ـ كما يقول براون ـ فاتحة عصر جديد ، في تاريخ حياة العرب القومية (١) ، حتى أنهم اعتبروها مبدأ تقويم يؤرخون به الأحداث ، ومن ثم فقد كانت قريش تؤرخ بعد ذلك بعام الفيل (٢) ، كما أن هذه الهزيمة المنكرة لأبرهة جعلت الحبشة لا تفكر بعد هذا الحادث أبدا في أن تقوم بعمل عسكري ضد مكة ، بخاصة وأن القوم في اليمن سرعان ما استعانوا بالفرس ، وطردوا الأحباش من بلادهم ـ وإلى الأبد إن شاء الله ـ ومن ثم فإننا نرى أن العلاقات بين الحبشة والعرب في مكة إنما كانت طيبة على أيام البعثة النبوية الشريفة ، بل إننا نعرف أن رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كان على علاقة طيبة بالنجاشي ، الذي يرى فيه المؤرخون المسلمون «عم أصحمة» ، بينما يرى المؤرخون المحدثون أنه «أرماح الثاني» أو «أرمحة» ، ومن ثم فإنهم يذهبون إلى أن «عم أصحمة» هذا ، إنما كان حاكما على إقليم من أقاليم الحبشة ، وعلى أي حال ، فإن النجاشي قد أكرم وفادة المسلمين الذين هاجروا إلى بلاده فرارا من اضطهاد قريش لهم ، والأمر كذلك بالنسبة إلى علاقة النجاشي بقريش التي أرسلت له سفارة فأوصته في رد هؤلاء المهاجرين (٣).
بقي أن نشير إلى أن تاريخ حملة أبرهة هذه ما يزال موضع خلاف بين
__________________
(١) حسن إبراهيم : تاريخ الإسلام السياسي ١ / ٧٦
(٢) الازرقي ١ / ١٤٨ ، هيكل : حياة محمد ص ١٠٢
(٣) ابن هشام ١ / ٣٢١ ـ ٣٤١ (طبعة الحلبي الثانية ـ القاهرة ١٩٥٥) ، الطبقات الكبرى ١ / ١٣٦ ـ ١٣٩ ، ابن الأثير ٢ / ٧٦ ـ ٨٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ٣٢٨ ، ٣٣٥ ، زاد المعاد ٢ / ٧٥ (طبعة عام ١٩٢٨) ، احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٥٩ ، عبد المجيد عابدين : المرجع السابق ص ٧١ ـ ٨١ ، رحلة صادق باشا المؤيد إلى الحبشة ، ترجمة رفيق العظم ص ١٨٦ وكذاP.P.٧٣١ ,٠٧٢ ـ ١٧ وكذا DE Lecy o\'Leavy, op - cit, P. ٤٨١ E, N, W. Budge, A History of Ethiopia, Nubia, and Abyssinia, London, ٨٣٩١