ومنها (ثانيا) أن النبي نشأ أميا لا يقرأ ولا يكتب (١) ، ولم تكن نشأته بين أهل الكتاب حتى يعلم بالتلقين علمهم ، والفئة القليلة المستضعفة التي وجدت في مكة منهم ، تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة ، وكانت تعد من أجهل سكان المدينة المقدسة وأحطهم مقاما في المجتمع الانساني ، يحترفون بدنيء الحرف ، كخدمة بعض العرب ، أو الاتجار في أشياء حقيرة ، كبيع النبيذ ، وغير ذلك مما يقوم به المستضعفون الذين يقطنون الأحياء المنزوية (٢) ، ثم إن هؤلاء المطمورين لم يكونوا يجهلون دينهم فحسب ، ولكن بصفة خاصة ـ وهنا تتركز حجة القرآن (٣) كانت لغتهم الأجنبية حاجزا أمام النبي (٤) ، وفي نفس الوقت كان قوم محمد (صلىاللهعليهوسلم) ، أميين ، لا يسود فيهم علم من أي طريق كان ، إلا أن يكون علم الفطرة والبيان ، ولم تكن عندهم مدرسة يتعلمون فيها ، ولا علماء يتلقونه عليهم ، لقد كانوا منزوين بشركهم عن أهل الكتاب ، والمعرفة في أي باب من أبوابها ، يقول سبحانه وتعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» (٥) ، وكانت رحلتا الصيف والشتاء إلى الشام واليمن تجاريتين لا تتصلان بالعلم في أي باب من أبوابه ، ولا منزع من منازعه (٦)
ومنها (ثالثا) أنه لم يثبت أنه كان بمكة أو ضواحيها أي مركز ثقافي
__________________
(١) سورة العنكبوت : آية ٤٨
(٢) مؤتمر سورة يوسف ٢ / ١٣١٠ ، مدخل إلى القرآن الكريم ص ١٣٤ ، وكذاHuart وكذاop - cit.P.١٣١ Masse ,L\'Islam ,Paris ,٧٣٩١ ,P.١٢
(٣) سورة النحل : آية ١٠٣
(٤) محمد عبد الله دراز : المرجع السابق ص ١٣٥ ، وكذا Pere Lammens, L\'Islam Croyance et Institution, ٦٢٩١, P. ٨٢
(٥) سورة الجمعة : آية ٢
(٦) محمد أبو زهرة : القرآن ص ٣٦٣