تعالى : (وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) (١) ، أي بما طلب إليهم حفظه.
والسر في هذه التفرقة أن سائر الكتب السماوية جيء بها على التوقيت لا التأييد ، وأن هذا القرآن جيء به مصدقا لما بين يديه من الكتب ، ومهيمنا عليها ، وصدق الله العظيم حيث يقول (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (٢).
ومن هنا كان القرآن الكريم جامعا لما في هذه الكتب من الحقائق الثابتة ، زائدا عليها بما شاء الله زيادته ، وكان سادا مسدها ، ولم يكن شيء منها يسد مسده ، فقضى الله أن يبقى حجة إلى قيام الساعة ، وإذا قضى الله أمرا يسر له أسبابه ، وهو الحكيم العليم (٣).
ومع ذلك كله ـ ويا للعجب ـ فإن ميدان الدراسة في التاريخ القديم ، قد حرم من هذا المنهل الغزير ، ربما لأن هذا الميدان إنما قد ظلّ إلى عهد قريب يكاد يكون مقصورا على المستشرقين ، وتلاميذهم من العرب غير المسلمين ، وإن هؤلاء وأولئك لم يتطرقوا في دراساتهم إلى الأحداث التاريخية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم ، ربما لأن هذه الدراسة بعيدة عن أغراضهم ، أو لأن مجال البحث فيها قد لا يستهويهم لسبب أو لآخر ، أو لأن العرب منهم إنما كانوا يحسون بحرج إن تناولوا أحداث القرآن التاريخية بالبحث والدراسة.
وأيا ما كان السبب ، فإن ميدان البحث في التاريخ القديم ، إنما قد
__________________
(١) سورة المائدة : آية ٤٤
(٢) سورة المائدة : آية ٤٨
(٣) محمد عبد الله دراز : النبأ العظيم ص ١٣ ـ ١٤