خسر بذلك أصح مصادره وأصدقها على وجه الإطلاق ، هذا فضلا عن أن الموقف إنما بقي كما هو ، حتى بعد أن دخل نفر من المسلمين ميدان التخصص في التاريخ القديم ، وحتى بعد أن حاولت قلة نادرة منهم ـ ربما لا يتجاوز عددها الواحد أو الاثنين ـ أن تعتمد في كتاباتها على ما جاء من محكم التنزيل ، فقد ظل المتخصصون في تاريخ الشرق الأدنى القديم ، يعتمدون على المصادر التقليدية لدراسة هذا الفرع من فروع الدراسات التاريخية ، ولم يكن القرآن الكريم منها ، على أي حال.
ومن عجب ، فإن المؤرخين المحدثين ـ الاوربيين منهم والشرقيين ، المسلمين وغير المسلمين ـ إنما ينظرون إلى التوراة ، وكأنها المصدر الأساسي لدراسة فترات معينة من تاريخ الشرق الأدنى القديم ، رغم أنهم يجمعون ـ او يكادون ـ على أنها غير موثوقة السند ، ورغم ان هناك مئات من الأبحاث التي كتبها المؤمنون بالتوراة ـ فضلا عن غير المؤمنين بها ـ وهي جميعا إنما تثير جدلا طويلا حول وثاقة نصها ، بل حول نسبة هذا النص لهذا الشخص أو ذاك (١).
ورغم ذلك كله ، لم يفكر واحد من هؤلاء المؤرخين في أن يرجع إلى القرآن الكريم ، ذلك الكتاب السماوي العظيم ، الذي تجمع آراء العلماء في العالم كله على وثاقة نصه ، أو كما يقول «سير وليم موير» ـ وهو من أشد المتعصبين ضد الإسلام ـ «إن العالم كله ليس فيه كتاب غير القرآن الكريم ظل أربعة عشر قرنا كاملا بنص هذا مبلغ صفائه ودقته» (٢)
__________________
(١) أنظر عن التوراة كتابنا «إسرائيل» ص ١٩ ـ ١٥٩ (القاهرة ١٩٧٣)
(٢) محمد حسين هيكل : الصديق ابو بكر ، القاهرة ١٩٦٤ ص ٣٢٣ وكذا
Sir William Muir, The Life of Mohammad and History of Islam, Edinburgh, ٣٢٩١