ويعود العالم الإنكليزي مرة أخرى ليؤكد أن المصحف الذي جمعه عثمان قد تواتر انتقاله من يد ليد حتى وصل إلينا بدون أي تحريف ، وأنه قد حفظ بعناية شديدة بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها والمتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة ، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية في كل العصور وكل الأزمان (١) ، وهذا الاستعمال الإجماعي لنفس النص المقبول من الجميع يعدّ أكبر حجة ودليل على صحة النص المنزل الموجود معنا (٢).
ويؤكد «لوبلوا» أن القرآن الكريم هو اليوم الكتاب الرباني الوحيد الذي ليس فيه أي تغيير (٣) ، كما يقرر «نولدكه» أن النص القرآني (١) قارن ذلك بما هو معترف به عن التوراة من جميع المؤمنين بها ، حيث ترى أن هناك نسختين للتوراة عند اليهود ، الواحدة لليهود والعبرانيين ، والأخرى لليهود السامريين ، وكل منهما تختلف عن الأخرى في عدد أسفارها وفي كثير من نصوصها ، ولم يكن الأمر عند المسيحيين ـ وهم من المؤمنين بها إيمانهم بأناجيلهم المختلفة ـ بأفضل منه عند اليهود ، ذلك لأن هناك على الأقل طبعتين للتوراة (العهد القديم) ، الواحدة تستعملها الكنائس البروتستانتية ، والأخرى تستعملها الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية الشرقية ، والتي تزيد عن الأولى بأسفار عدة ، اعتبرها البروتستانت أسفارا زائفة (أبو كريفا) ، هذا فضلا عن الاختلاف في عدد إصحاحات أسفار توراة البروتستانت عنها في توراة الكاثوليك ، بل إن أسماء الأسفار نفسها كانت ـ ولا تزال ـ موضع خلاف بينهما ، واخيرا فهناك الاختلاف في ترتيب الأسفار عند اليهود عنها عند المسيحيين (انظر : كتابنا «إسرائيل» ص ٢٠ ـ ٢١ ، قاموس الكتاب المقدس ١ (بيروت ١٩٦٤) حسن ظاظا : الفكر الديني الإسرائيلي ، القاهرة ١٩٧١ ، ص ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، حبيب سعيد : المدخل الى الكتاب المقدس ، القاهرة ص ٦٧ ـ ٦٨ ، فؤاد حسنين : التوراة الهيروغليفية ، القاهرة ١٩٦٨ ص ١٤ ـ ١٥ ، وكذا ـ
__________________
(١) M. F. Unger, Unger\'s Bible Dictionary, Chicago, ٠٧٩١, P. ٤٤١
(٢) محمد عبد الله دراز : مدخل الى القرآن الكريم ص ٤٠ ، وكذاW. Muir, The Life of Mohammad. B. St. Hilaire, Mahomat et Le Koran, P. ٣٣
(٣) محمد عبد الله دراز : المرجع السابق ص ٤٠ وكذا.Lebbois, le Koran et la Bible Hebraique, Paris, ٧٨٨١, P. ٧٤