عبادة الحق دون معارضة أو خصام (١).
هذا ، وقد انفرد القرآن الكريم ـ دون غيره من الكتب المقدسة ـ بأخبار إبراهيم ورحلته إلى الحجاز ، وأنه ترك هناك ولده إسماعيل ـ وكذا زوجته هاجر ـ وإنه فعل ذلك امتثالا لأمر الله ، ورغبته في نشر الإيمان بالله ، في بيئة جديدة ، وفي مناخ جديد ، بعد أن قام بذلك في العراق وسورية ، وفلسطين ومصر ، ليربط ولده وبكره ، بما ارتبط به هو من قبل ، فإبراهيم الخليل يرجع في نسبه الأول إلى العرب البادية ـ كما يسميهم الاخباريون ـ والتي هاجرت في فترة لا نستطيع تحديدها على وجه اليقين من بلاد العرب إلى الرافدين (٢).
وأخيرا ، فإن القرآن الكريم ـ بعكس التوراة ـ إنما ينظر إلى إبراهيم ، على أنه أبو الأنبياء ، حيث أخرج الله من صلبه أنبياء بررة ، حملوا الراية وتوارثوا المشعل (٣) ، وهو خليل الله (٤) ، وهو الأسوة الحسنة للمؤمنين جميعا (٥) ، إذ (كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (٦) ، ومن ثم فقد أوحى الله إلى حبيبه ونبيه المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٧) ، ومن هنا فلا يرغب عن ملته إلا من سفه نفسه (٨) ، ثم هو ـ أول من أعطى المسلمين اسمهم (٩) ، وأول من
__________________
(١) شاهين مكاريوس : تاريخ الأمة الإسرائيلية ص ١٥
(٢) أنظر : كتابنا اسرائيل ص ١٩٥ ـ ١٩٦
(٣) سورة الانعام : آية ٨٤ ـ ٨٧
(٤) سورة النساء : آية ١٢٥
(٥) سورة الممتحنة : آية ٤
(٦) سورة النحل : آية ١٢٠ ـ ١٢١
(٧) سورة النحل : آية ١٢٣
(٨) سورة البقرة : آية ١٣٠
(٩) سورة الحج : آية ٧٨