وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) (١).
وهذه الآيات الكريمة تدل بوضوح على أن هناك حلافا عميق الجذور بين إبراهيم وأبيه ، تأدي بالوالد أن يأمر ابنه بالهجرة ، حيث لا أمل في اتفاق ، ولكن الأمور سرعان ما تتأزم كذلك بين إبراهيم وقومه ، إلى الحد الذي لا يجد القوم مخرجا منها ، إلا أن يلقوا بابراهيم في نار أوقدوها لإحراقه ، وهنا يفقد إبراهيم الأمل في ايمان القوم ، ويقرر الهجرة ، (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ» (٢) ، ولم يجد من القوم من يؤمن به إلا ابن أخيه لوط (٣) ، (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤) ، وهكذا كتب الله لإبراهيم ـ وكذا لابن أخيه ـ النجاة ، بعد أن اعد القوم العدة لإحراقه ، (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ، قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ، وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ ، وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (٥).
ولعل من المفيد الإشارة هنا إلى رأي عالم يهودي ، يعترف فيه صراحة ، بأن التوراة لم تأت على السبب الصريح لمهاجرة إبراهيم أرض آبائه ، وإنما يؤخذ مما جاء فيها في مواضع مختلفة ، أنه فضل ذلك كي يعبد الله عملا بما أنزل عليه من الوحي ، وهذا يطابق ما جاء في القرآن من أنه إنما غادر أهله وبلاده ، لأنهم كانوا عبدة أصنام ، وكان يعبد الله فخاصمهم وارتحل عنهم إلى حيث يبيت في مأمن منهم ، وحيث تتسنى له
__________________
(١) سورة مريم : آية ٤١ ـ ٤٨
(٢) سورة الصافات : آية ٩٩ ، وأنظر عن تفسير هذه الآيات : تفسير الطبري ٢٣ / ٧٥ ـ ٧٦ ، تفسير القرطبي ١٥ / ٩٧ ـ ٩٨ ، روح المعاني ٢٣ / ١٢٦ ـ ١٢٧
(٣) انظر عن رأي التوراة في لوط : تكوين ١٩ : ٣٠ ـ ٣٨ ، كتابنا إسرائيل ص ٧٣ ـ ٧٤
(٤) سورة العنكبوت : آية ٢٦
(٥) سورة الأنبياء : آية ٦٨ ـ ٧١