الكريم ـ إنما تعطي تأكيدا يكشف عن مطامع يهود في مصر ، ولنقرأ هذا النص «خذوا أباكم وبيوتكم وتعالوا إليّ فأعطيكم خيرات أرض مصر ، وتأكلون دسم الأرض ... خذوا لكم من أرض مصر عجلات لأولادكم ونسائكم واحملوا أباكم وتعالوا ، ولا تحزن عيونكم على أثاثكم ، لأن خيرات جميع أرض مصر لكم» (١) ، كما لم تهمل التوراة كذلك أن تؤكد أن رحلة هؤلاء المجهدين الجياع إلى مصر ، إنما كانت للقوت ، ولكنها تؤكد أيضا أنها لتحقيق مؤامرة على الأرض التي استضافتهم (٢).
ومنها (ثانيا) أن التوراة تزعم أن يوسف قد اشترى كل أرض مصر ـ من عليها وما عليها ـ للفرعون (وهو اصطلاح لم يكن قد استعمل في مصر بعد ، كما أشرنا آنفا) بعد أن امتلأت الأرض جوعا (٣) ، الأمر الذي لم يثبت تاريخيا ، فضلا عن أنني ـ علم الله ـ لست أدري : لما ذا تريد التوراة ـ أو بالأحرى يريد كاتبوها ـ أن يصوروا النبي الكريم في صورة صوت عذاب على المصريين ، يستغل حاجتهم للمعونات الضرورية للحياة نفسها ، فيستولي على أرض مصر كلها ـ باستثناء أرض الكهانة ـ لمصلحة الملك الهكسوسي؟. ثم وهل كان ملك مصر على أيام الهكسوس ـ وهو العصر الذي نرجح فيه دخول بني إسرائيل إلى أرض الكنانة (٤) ـ يسيطر على مصر كلها ، حتى يستولي له يوسف ـ عليهالسلام ـ على كل أراضيها؟
إن جمهرة المؤرخين ، إنما ترى أن الهكوس لم يمدوا نفوذهم أبدا إلى أبعد من القوصية (٥) جنوبا ، اللهم إلا في احتلال مؤقت قصير لإقليم (بي
__________________
(١) تكوين ٤٥ : ١٨ ـ ٢٠
(٢) تكوين ٤٦ : ١ ـ ٤
(٣) تكوين ٤٧ : ١٣ ـ ٢٦
(٤) راجع كتابنا «إسرائيل» ص ٢٣٧ ـ ٢٤٥ ، وانظر
(٥).Pahor Labib, Die Herrschaft der Hyksos in Aegypten und ihr Sturz, P. ٨١ FF.