ومنها (رابعا) أن التوراة قد حددت اسم من اشترى يوسف ووظيفته ، وأنه «فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرطة» (١) وبدهي أن القرآن الكريم لم يفعل ذلك ، لأنه ـ كما قلنا من قبل ـ ليس كتاب حوادث وتواريخ ، وإنما قصصه للعبرة والعظة ، وإن لقّبه «بالعزيز» ، ولا شأن للقرآن بروايات المفسرين عن اسمه واسم ملك مصر في عهده واسم امرأة العزيز ، فتلك اجتهادات ، وفوق كل ذي علم عليم (٢).
وهنا لنا أن نتساءل عن وصف التوراة لفوطيفار بأنه «خصي فرعون (٣)»؟ وهل يتزوج الخصيان؟ والحق أنني لست أدرى كيف دار في خلد كاتب التوراة أن رئيس الشرطة المصري كان خصيا (٤)؟ أو لم يكن شافعا له في دحض هذه الفرية بأنه كان زوج أجمل سيدة في البلاد ، ولكن ما الحيلة وصاحب سفر التكوين ـ أول أسفار التوراة ـ يرى أن حاشية القصر كلها من الخصيان ، ومنهم رئيس السقاة ورئيس الخبازين (٥) ، وهو أمر ما اعتدناه في مصر الفراعنة ، وما حدثنا به تاريخها ، وإنما ذلك رأي يهود الأسر البابلي ، حين كتبوا توراتهم على ضفاف الفرات ، متأثرين بكل الحضارات القديمة التي شاهدوها ـ أو التي عاشوا في ظلالها ـ من ناحية ، وبحقدهم الأعمى على مصر من ناحية أخرى ، حتى أعماهم هذا الحقد عن حقائق التاريخ ، فجعلوا كل رجال البلاط المصري من الخصيان.
__________________
(١) تكوين ٣٩ : ١
(٢) تفسير الطبري ١٢ / ١٧٤ ـ ١٧٦ تفسير المنار ١٢ / ٢٧٢ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١٧
(٣) تكوين ٣٩ : ١
(٤) من عجب أن هذه الأكاذيب قد انتقلت إلى بعض كتب التفسير (الطبري ١٢ / ١٧٥ ، القرطبي ٩ / ١٦٠) ، وان رفضتهما جمهرة المفسرين (تفسير البيضاوي ١ / ٤٩١ ، تفسير المنار ١٢ / ٢٧٢ ، تفسير الألوسي ١٢ / ٢٠٧ ، مؤتمر تفسير سورة يوسف ١ / ٤٣٤ ، ٥٠٣ ، ٥٠٤ ، قارن ١ / ٥٢٥ ، ٥٢٦ ، ٢ / ٨٧٣)
(٥) تكوين ٤٠ : ٢