إنّك ما علمت لميمون الرأي ، وأقل ما أشرت عليه بمشورة إلّا رأيت عاقبتها تؤدّي إلى السّلامة قال : فلما كان غدا إلى عسكر الروم ـ يعني يوم اليرموك ـ سألني أن أخرج معه ، فخرجت معه حتى إذا دخلنا عسكرهم وضربت قبّته وبعث إليه باهان (١) ليلقاه قال لي : قم فقمت معه وقلت له : إن القوم إنما أرادوك ولا أراهم يريدوني معك قال : امضه ، فمضيت ، فلما دنونا من باهان وعلى رأسه ألوف رجال ما يرى منهم إلّا الحدق وفي أيديهم العمد الحديد ، فلما دنونا منهم جال الترجمان قال : أيكما خالد بن الوليد؟ قال خالد : أنا ، قال : أقبل أنت وليرجع هذا ، فقام خالد فقال : إن هذا رجل من أصحابي ولست أستغني عن رأيه فرجع إلى باهان فقال : دعوه فليأت معه فاحتملنا معه نحوه ولم نمش إلّا خطا خمسا أو ستا حتى جاءنا الترجمان في نحو من عشرة فقال لي : ضع سيفك ولم يقولوا لخالد شيئا ، فنظرت إلى خالد فقال خالد : ما كان ليضع عزه من عنقه أبدا قد بعثتم إلينا فأتيناكم فإن تركتمونا جلسنا إليكم وسمعنا منكم ، وإن أبيتم فخلّوا سبيلنا ننصرف عنكم ، فرجع الترجمان إلى باهان فأخبره فقال : دعوهما بأسيافهما قال : فأقبلنا ، فرحب بخالد وأجلسه (٢) معه قال : وجئت أنا فجلست على نمارق مطروحة للناس حيث أسمع مراجعتهما قال : فلما قال باهان لخالد إنك من ذوي أحساب العرب؟ قال خالد : إن نبيّنا صلىاللهعليهوسلم قال لنا : «إنّ حسب الرّجل دينه ومن لم يكن له دين فلا حسب له ، وقال لنا : «إن خير الشجاعة عاقبة ما كان منها في طاعة الله عزوجل» وذكرت أني أوتيت عقلا ووفاء فإن أكن أوتيته فالله المحمود على ذلك. قال نبيّنا صلىاللهعليهوسلم : «ما خلق الله عزوجل من خلقه شيئا هو أحبّ إليه من العقل ، إن الله عزوجل لما خلقه وصوّره قال له : أقبل ، فأقبل ، وقال له : أدبر ، فأدبر» فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت من خلقي شيئا هو أحبّ إليّ منك ، بك تنال طاعتي ، وتدخل جنتي ، والوفاء لا يكون إلّا من العقل ، ومن لا يكن له عقل فلا وفاء له [٢٨٦٨].
وذكر الواقدي : أن الحارث بن عبد الأزدي من أهل فلسطين ، وإنه كان من عقلاء المسلمين وأخيارهم ، فقال يرثي سفيان بن عوف :
أعيني إن أنفذتما الدّمع فاسكبا |
|
دما بأن سفيان بن عوف فودّعا |
__________________
(١) فتوح الشام للواقدي ١ / ١٧١ ما هان.
(٢) بالأصل «وجلسه».