وأمّا الحكاية المضاعفة فإنها بمنزلة الصلصلة والزلزلة وما أشبههما ، يتوهمون في حُسن الحركة ما يتوهمون في جَرْس الصوت ، يضاعفون لتستمرّ الحكاية على وجه التصريف.
والمضاعف من البناء في الحكايات وغيرها ما كان حرفا عجزه مثل حرفي صدره ، وذلك بناء نستحسنه ونستلذُّه ، فيجوز فيه من تأليف الحروف ما جاء من الصحيح والمعتلّ ، ومن الذُّلق والطُّلُق والصُّتم. ويُنسَب إلى الثنائيّ لأنه يضاعفه. ألا ترى أنّ الحاكي يحكي صلصلة اللجام فيقول : صلصل اللجام ، فيقال صَلْ يخفّف ، فإن شاء اكتفى بها مَرّة ، وإن شاء أعادها مرتين أو أكثر من ذلك فقال صَلْ صَلْ صل ، فيتكلف من ذلك ما بدا له. ويجوز في حكاية المضاعَف ما لا يجوز في غيرها من تأليف الحروف. ألا ترى أن الضاد والكاف إذا ألّفتا فبدىء بالضاد فقيل ضك كان هذا تأليفاً لا يحسُن في أبنية الأسماء والأفعال إلّا مفصولاً بين حرفيه بحرف لازم أو أكثر من ذلك ، نحو الضَّنْك والضَّحِك وأشباه ذلك. وهو جائز في تأليف المضاعف نحو الضكضاكة من النساء وأشباه ذلك. فالمضاعف جائز فيه كل غَثٍّ وسمين من المَفْصول والأعجاز وغير ذلك.
والعرب تشتق في كثير من كلامها أبنية المضاعف من بناء الثنائي المثقل بحرفي التضعيف ، ومن الثلاثيّ المعتلّ. ألا ترى أنهم يقولونَ صلَّ اللجام صليلاً ، فلو حكيت ذلك قلت صلّ تمد اللام وتثقلها ، وقد خففتها من الصلصلة ، وهما جميعاً صوت اللجام ، فالتَّثقيل مدٌّ والتضعيف ترجيع ، لأن الترجيع يخف فلا يتمكن لأنه على حرفين فلا ينقاد للتصريف حتى يضاعف أو يثقل ، فيجيء كثير منه متّفقاً على ما وصفتُ لك ويجيء كثير منه مختلفاً نحو قولك : صرّ الجنوب صريراً ، وصرصر الأخطب صرصرة ، كأنهم توهموا في صوت الجندُب مداً ، وتوهموا في صوت الأخطب ترجيعاً. ونحو ذلك كثير مختلف.
وأمّا ما يشتقون من المضاعف من بناء الثلاثيّ المعتلّ فنحو قول العجاج :
ولو أنَخْنا جَمعَهم تنخنَخوا |
لِفحلنا إنْ سرَّه التنوُّخ |
ولو شاء لقال في البيت الأول : ولو أنخنا جمعهم تنوّخوا ، ولكنّه اشتقّ التنوّخ من نَوّخناها فتنوّخت ، واشتقَّ التنخنخ من قولك أنخنا ، لأنّ أناخ لما جاء مخفّفاً حسن إخراج الحرف المعتل منه وتَضاعُفُ الحرفين الباقيين ، تقول نخنخنا فتنخنخ. ولما قال نوّخنا قرّت الواو فثبتت في التنوّخ. فافهم.