قلتُ : وأصْلُ الْخَرْصِ : التَّظَنِّي فيما لا يَستَيْقِنُه. ومنه قيل : خَرَصْتُ النَّخْلَ والكَرْم ـ إذا حَزَرْتَ ثمَرَه ، لأن الحَزْر إنما هو تقديرٌ بِظَنٍّ ـ لا إحاطَةٍ ، ثمَّ قيل للكَذِب : خَرْصٌ ، لِمَا يَدْخُلُه من الظُّنُونِ الكاذبة.
وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يبعث الخُرَّاصَ إلى نَخِيلِ خَيْبَرَ عند إدراك ثَمَرِها فَيحْزُرُونَهُ رُطباً كذا ، وتمراً كذَا ، ثم يأخذهم بمَكِيلَةِ ذلك من التَّمْر الذي يجب له وللْمُوجِفِينَ معه.
وإنما فعلَ ذلك لما فيه من الرِّفقِ لأصْحاب الثِّمار فيما يأكُلُونَهُ منه ، مع الاحتياط للفُقراء ـ في العُشْر ، ونِصْفِ العُشْر ولأهل الفَيْءِ ـ فيما يَخُصُّهُمْ.
ورُوِيَ عن النبي صلىاللهعليهوسلم : أنَّهُ أَمَرَ بالخَرْصِ في النَّخْلِ والكَرْمِ خاصَّةً دُونَ الزَّرْع الْقَائِمِ.
وذلك أن ثِمَارَهُما ظاهرةٌ ، والخارِصُ يُطيفُ بها ، فَيَرَى ما ظهر من الثمار ، وليس ذلك كالحَبِّ الذي هو في أكمامه.
ابن السكَّيت : خرَصْتُ النخلَ خرْصاً ، وكَمْ خِرْصُ نَخْلِكَ؟ ـ بكسر الخاء.
وقال الليث : الخَرِيصُ : شِبْهُ حَوْضٍ واسع ، يَنْفَجِرُ إليه الماءُ من نهْرٍ ثم يعودُ إلى النهر ، والخَرِيصُ مُمْتَلِىءٌ.
وقال عَدِيٌّ :
والمَشْرَبُ المَصْقُولُ يُسْقَى بهِ |
أَخْضَرَ مَطْمُوثاً كماءِ الْخَرِيصْ |
قال الأزهري : قرأته في شعر عَدِيّ :
والمَشْرَفُ المَشْمُولُ يُسْقَى به
وقيل ـ في تفسيره ـ : المَشْرَفُ : إناء كانوا يشربون به.
وأما الخَريصُ : فإن ابن الأعرابي قال : افْتَرَقَ النَّهْرُ على أربعة وعشرين خريصاً ـ يعني ناحيةً منه.
قال : ويقال : خريصُ النهر : جانِبُه.
قال : والمَشْمُولُ : الطَّيِّبُ ، يقال للرجل ـ إذا كان كريماً ـ : إنه لمشمول.
والمَطْمُوثُ : الممسوس.
وقال أبو عبيد : الخَريصُ : الخَليجُ من البحر.
وقال أبو عمرو : الْخَرِيصُ : جَزِيرَةُ البحر.
أبو عبيد : الخُرْصُ : السِّنانُ وجمعه خُرْصانٌ.
وقال ابن شميل : الخِرْصُ : الرُّمْحُ اللطيفُ وجمعه خِرْصانٌ.
قال : والخِرْصانُ : أصلها القُضْبانُ.
وقال قَيْسُ بْنُ الْخَطِيم :
تَرَى قَصَدَ المُرَّانِ مُلْقًى كَأَنَّهُ |
تَذَرُّعُ خِرْصَانٍ بأَيْدِي الشَّوَاطِب |
وقال غيرُه : جعلَ الْخُرْصَ رُمحاً ، وإنما هو نِصْفُ السِّنانِ الأعلى ـ إلى موضع الجُبَّة.
قال : ويقال : خِرْصُ الرُّمح ، وخُرْصٌ وخَرْصٌ ـ ثلاث لُغات ـ وخِرْصَانٌ : جماعةٌ.
وقد مَرَّ تفسير البيت في كتاب الْعَيْن.
أبو عبيد ـ عن الأصمعي ـ : الخُرْصُ ـ أيضاً ـ : الْحَلقَةُ من الذهب والفِضَّة.