عبدِ الله ـ كذلك ـ : (أنْ يُغَلَ) ، يُريدون : أنْ يُسَرَّقَ.
وَقال أبو العَبّاس : جَعَلَ : يُغَلُ ، بِمَعْنى : يُغَلَّلُ. وكلامُ العَرَبِ عَلَى غَيْرِ ذلكَ في : (فَعَّلْتُ وأفْعَلْتُ) ، وأفْعَلْتُهُ : أدْخَلْتُ ذاكَ فيهِ ، وفَعَّلْتُ : كَثَّرْتُ ذاكَ فيه.
وقال الفَرّاءُ : جائزٌ أنْ يَكُونَ : يُغَلُ ، مِنْ : أَغْلَلْتَ بمعنى : يُغَلَّلُ ، أي : يُخَوّنُ ، كقولِه ـ تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) [الأنعام : ٣٣] و (لَا يُكذبُونَكَ).
وقال الزِجّاجُ : قُرئا جميعاً : (أَنْ يَغُلَ) ، وأن يُغَلَ). فَمَنْ قال : (أَنْ يَغُلَ) : فالمَعْنى : ما كانَ بِنَبِيٍّ أن يَخُونَ أمَّتَهُ. وتَفْسِيرُ ذلكَ ؛ أنّ الغَنَائِمَ جَمَعَها النبي صَلَى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ ، فجاءَهُ جماعَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ ، فَقَالُوا : «ألَا تَقْسِمُ بَيْنَنا غَنَائِمنَا؟؟».
فقالَ صَلَى الله عليه وسلم : «لو أَفَاءَ الله عَلَيَّ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا مَنَعْتُكم دِرْهَماً ، أَتَرَوْنَني أغُلُّكُمْ مَغْنَمكُمْ؟!».
قالَ : وَمَنْ قَرَأَ : (أنْ يُغَلَ) فهو جائِزٌ عَلَى ضَرْبَينِ : أحدُهُما : ما كانَ لنبيٍّ أن يَغُلَّهُ أصْحَابُه ، أيْ : يَخُونُوهُ ، وجاء عن النبي صَلَى الله عليه وسلم : أنه قالَ : «لا أَعْرِفَنَّ أحدَكم يجيءُ ـ يومَ القِيامَةِ ـ وَمَعهُ شَاةٌ ، قَدْ غَلَّها ، لها ثُغَاءٌ ، ثم قَالَ : أَدُّوا الخَيْطَ وَالمَخْيَطَ».
والوجهُ الثّانِي : أَنْ يَكُونَ : (يُغَلَ) ، أيْ : يُخَوَّنَ.
وأخبرني المُنذِريّ عن الحُسين بنِ فَهْم عن ابنِ سَلّام ، قالَ : كان أبو عمرو بنُ العَلَاء ، ويونُس يَخْتَارَانِ : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ). قال يُونُسُ : وكيفَ لا يُغَلُ؟ بَلَى ، ويُقْتَلُ!!.
ورُوِيَ عن النبي صَلَى الله عليه وسلم أنّه أملى في كتابِ صُلْحِ الحُدَيبيّةِ : «أنْ لا إغْلالَ ولا إسْلالَ».
وقالَ أبُو عُبَيدٍ : قال أبو عمرٍو : الإغْلالُ : الخِيَانَةُ ، والأسْلالُ : السَّرِقَةُ. قالَ : وكانَ أبو عبيدةَ يقُولُ : رَجُلٌ مُغِلٌ مُسِلٌّ ، أيْ : صاحبُ خِيَانَةٍ وَسَلَّةٍ ، ومنهُ قَوْلُ شُريَح : «ليسَ على المُسْتَعِيرِ غيْرُ المُغِلِ ضَمَانٌ» ، يَعْني : الخَائِنَ.
وقالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلبٍ :
جَزَى الله عَنّا حَمْزَةَ أَبْنَةَ نَوْفَلٍ |
جَزَاءَ مُغِلٍ بالأَمَانَةِ كَاذِبِ |
قال : وأما قولُ النبي صَلَى الله عليه وسلم : «ثلاثٌ لا يَغِلُ عَلَيْهِنّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ».
فإِنَّه رُوي : لا يَغِلُ ، ولا يُغِلُ.
فَمَنْ قَالَ : لا يَغِلّ ـ بِفَتْحِ الياء وَكَسْرِ الغَيْنِ ـ فَإنَّه يَجْعَلُ ذلِكَ مِنَ الغِلِ ، وهو الضِّغْنُ والشَّحْنَاءُ.