ومنه قول العرب : جَزَأْت الماشيةُ تَجْزَأُ جَزْءاً إذا اكتَفَتْ بالرّطْبِ عن شرب الماءِ.
وقال لبيد :
* جَزَأ فَطالَ صيامُه وصِيامُها*
أي اكْتَفَيا بالرّطب عن شُربِ الماء ، يَعْني عَيْراً وأتانة.
وأخبرني المنذريّ ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ ، أنه أنشده لبعض بني عمرو بن تميم :
ونحن قتلنا بالْمَخَارِقِ فارساً |
جَزَاءَ العُطاسِ لا يموت المُعاقب |
قال : يقول : عَجَّلنا إِدراك الثأر كقدر ما بين التّشميت والعُطاس.
والمُعاقب : الذي أدرك ثأره لا يموت المُعاقِب أي أنه لا يموت ذكرُ ذلك بعد موته ، قال : ومثله قول مهلهل :
فقتلى بقتلانا وجَزٌّ بجَزِّنا |
جزاء العُطاسِ لا يموتُ مَن اتّأَرْ |
أي لا يموت ذكره.
ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ ، قال : يُجزِىءُ قليلٌ من كثِير. ويُجْزِي هذا من هذا ، أي كلُّ واحد منهما يَقُومُ مقام صاحِبه.
وسئل أبو العباس عن جَزَيْتُه وجازَيْته ، فقال : قال الفراء : لا يكون جَزَيتُه إلا في الخبر ، وجازيته يكون في الخيْر والشّرّ.
قال : وغيره يجيز جَزَيتُه في الخير والشّر ، وجازيته في الشّر ، ويقال : اللّحم السّمين أجزأ من المهزول ، ومنه يقال : ما يُجْزِئُني هذا الثوب ، أي ما يَكفيني.
ويقال : هذه إبلٌ مَجازِئٌ يا هذا ، أَيْ تكفي الحِمْل ، الواحدُ مُجْزِئٌ ، وفلان بارع مُجزئٌ لأمره ، أي كافٍ أمْرَه.
وقال الله جلّ وعزّ : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥)) [الزخرف : ١٥].
قال أَبو إسحاق : يَعْني به الَّذين جَعَلوا الملائِكة بنات الله ، تَعالى اللهُ عما افتَرَوْا.
قال : وقد أُنْشِدْتُ لبعض أهلِ اللغة بَيتاً يَدُلُّ على أَنَّ معنى : جُزءٍ معنى الإناث ولا أَدْرِي البيتُ قَديمٌ أم مَصْنوع.
أنشدوني :
إنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يوماً فلا عَجَبٌ |
لا تُجزِيءُ الْحُرَّةُ المِذْكَارُ أَحْياناً |
أي إنْ آنَثَتْ ، أي وَلَدت أُنْثى.
قلت : واستدل قائل هذا القول بقوله جل وعز : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩].
وأَنْشَد غيره لبعض الأَنْصار :
نَكَحْتُها من بنات الأوْس مُجْزِئَةً |
للعَوْسَج اللَّدْنِ في أَبْياتِها زَجَلُ |