لا تَجْزِيهِ نَفْسٌ عن نَفْسٍ شَيْئاً : وتُضْمِرُ الصفةَ ، ثم تظهرها فتقول : (لا تَجْزِي) فيه (نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً).
قال : وكان الكسائيّ لا يُجِيزُ إضمار الصِّفَة في الصِّلات.
وسمعتُ المُنْذِريّ يقول : سمعت أَبا العبّاس ، يقول : إضمار الهاء والصِّفَة واحِدٌ عند الفرّاء. تَجْزِي وتَجْزِي فِيه ، إذا كان المَعْنَى واحِداً.
قال : والكِسائِيّ يُضْمِرُ الهاء ، والبَصْريونُ يُضْمرون الصِّفة.
وقال أبو إسحاق : معنى (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] أي لا تَجْزِي فيه.
وقيل : لا تَجْزِيهِ ، وحَذْفُ «فيه» ها هُنا سائِغ ، لأنَّ «في» مع الظُّروف مَحْذوفَة ، وقد تقول : أَتَيْتُكَ اليوم ، وأَتَيْتُكَ في اليوم ، فإذا أضْمَرْت ، قلت : أَتيتك فيه ، ويجوزُ أن تَقول : أَتَيْتَكَهُ ، وأنشد :
ويَوْماً شَهِدْناهُ سُلَيماً وعَامِراً |
قَلِيلاً سِوى الطّعْنِ النِّهال نَوَافِلُه |
أرادَ شَهِدْنا فِيه.
قلت : ومعنى قوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) يعني يوم القيامة ، أي لا تَقْضِي فيه نَفْسٌ عن نَفْسٍ شَيئاً.
يقال : جَزَيتُ فلاناً حَقَّه ، أي قَضَيْتُه ، وأَمَرْتُ فلاناً يَتَجَازَى دَيْني ، أي يَتَقَاضَاه ، ومنه حديثُ النبي صلىاللهعليهوسلم حين قال لأبي بُرْدَة بن نِيَار في الْجَذَعَةِ التي أَمَره أن يُضَحِّي بها من المِعْزَى : «ولا تَجْزِي عن أَحَدٍ بَعْدَك».
قال أبو عُبيد : قال الأصمعيّ : هو مأْخوذٌ من قولك : قد جَزَى عَنِّي هذا الأمْر ، فهو يَجْزِي عَنِّي ، ولا هَمْزَ فيه.
قال : ومعناه لا تَقْضِي عن أَحَدٍ بَعْدك ، وليس في هذا هَمْز.
ويقال : جَزيت فلاناً بما صَنَع جَزاءً.
وقضيتُ فلاناً قَرْضَه ، وجزيته قرضه.
وتقول : إن وَضَعْتَ صدقَتَك في آلِ فلان جَزَتْ عنك ، وهي جازِيَةٌ عَنْك.
قلت : وبعضُ الفقهاء يقول : أَجْزَى عنك بمعنى جَزَى أي قَضَى. وأهل اللُّغة يقولون : أجزأ بالهمز ، وهو عندهم بمعنى كَفَى.
قال الأصمعيّ : أَجْزَأَنِي الشّيءُ إِجْزاءً مهموز ، معناه كفاني. وأنشد :
لَقد آلَيْتُ أغْذِرُ في جَدَاعٍ |
وإن مُنِّيتُ أُمَّاتِ الرِّباعِ |
|
بأَنَّ الغَدْرَ في الأَقْوام عارٌ |
وأنَّ المرْءَ يَجْزَأُ بالكُرَاعِ |
قوله : يَجْزَأُ بالكراعِ ، أي يكتفي بها ، ومنه قول الناس : اجتَزَأْتُ بكَذا وكَذا ، وتَجَزَّأْتُ به ، أي اكْتَفَيْت به وأَجْزَأْتُ بهذا المعنى.