قلت : وهذا صحيح ، وهو قول الشافعي ، وقول أكثر أَهْلَ العلم. أما قول الله جل وعزَّ في قصة موسى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) [القصص : ١٤]. فإنه قرنَ بُلوغ الأشُدّ بالاستواء ، وهو أن يجتمع أمره ، وقُوَّته ، ويَكْتَهل ، وينتهي شبابه ، وذلك ما بين ثماني وعشرين سنة إلى ثلاثٍ وثلاثين سنة ، وحينئذٍ يَنْتهي شَبَابُه.
وأما قول الله جَلَّ وعزْ في سورة الأحقاف : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) [الأحقاف : ١٥] ، فهو أقصى بلوغ الأشُدّ ، وعند تمامها بُعِثَ محمد صلىاللهعليهوسلم نَبِيّاً ؛ وقد اجتمعت حُنْكَتُهُ وتمام عَقْلِه ؛ فبلوغ الأشُدّ محْصُور الأوّلِ ، محصور النهاية ، غيرُ محصورٍ ما بين ذلك. والله أعلم.
وأخبرني المنذري ، عن ثَعلب ، عن ابن الأعرابي : يقال : شَدّ الرجل يَشِدُّ شَدّةً ، إذا كان قَوياً ، ويقول الرجل إذا كُلِّفَ عملاً : ما أَمْلِكُ شَدّاً ولا إرخاءً ، لا أَقْدِرُ على شيء ، ويقال : شَدَدْتُ عَلَى القوم أشُدُّ عليهم ، وشَدَدْتُ الشيءَ أشُدُّه شَدّاً ، إذا أوْثَقْتَه.
قال الله جلّ وعزّ : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) [محمد : ٤] ، وقال : (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١)) [طه : ٣١].
سلمة ، عن الفرّاء ، قال : ما كان من المُضاعف على «فَعَلْتُ» غير واقع ؛ فإن «يَفْعِل» منه مكسور ، مثل : عَفَّ يَعِفُّ وخَفَّ يَخِفُّ ، وما أشبهه. وما كان واقعاً مثل : مَدَدْتُ ، وعَدَدْتُ فإن «يَفْعُل» منه مضموم إلا ثلاثة أحْرف : شَدَّهُ يَشُدُّهُ ، ويَشِدُّه وعَلَّهُ يَعُلَّهُ ، ويَعِلُّه ، ونَمَّ الحديثَ يَنُمُّه ويَنِمُّه ، فإن جاء مثله ، فهو قليل ، وأصْلُه الضّم.
وقال غيره : اشْتَدَّ فلان في حُضْره ، وتَشَدَّدَت الْقَيْنَةُ ، إذا جَهَدَتْ نفسها عند رفع الصَّوْت بالْغِناء ، ومثله قول طرفة :
إذا نَحْنُ قُلْنا أَسمِعينا انْبَرتْ لنا |
على رِسْلها مَطْرُوقَةً لم تَشَدَّدِ |
ويقال : شَدَّ فلان على العَدُوّ شَدّةً واحدة ، وشَدَّ شَدَّاتٍ كَثيرةً.
وقال أبو زيْد : خِفْتُ شدَّى زَيْدٍ ، أي شِدَّتَه ، وأنشد :
فإنِّي لا ألِينُ لِقَوْلِ شُدَّى |
ولو كانَتْ أَشَدَّ من الحَدِيدِ |
ويقال : أَصَابَتني شَدَّى بَعْدَك ، أي الشِّدةُ ، مَدَّه ابنُ هانىء.
دش : قال الليث : الدَّشُ اتِّخاذُ الدَّشِيشَةِ ، وهي لُغَة في الجَشِيشَة وهي حَسْوٌ يُتَّخَذُ من بُرِّ مَرْضُوض ، قلت : لَيْست الدَّشِيشَةُ بِلُغَةٍ ، ولكنها لُكْنَة. وقد جاءت في حديث مرفوع دلَّ على أنها لُغة.
حدثنا مُحمد بن إسحاق السَّعديّ ، قال : حدثنا الرَّمادِيّ ، عن أبي داود الطّيالسيّ ،