لَبَّسَ عليه قول الشاعر :
* جَرَمت فَزارَةُ بعدها أَنْ تَغْضَبا*
فَرَفَعوا فَزَارة. وقالوا : نَجْعَل العِفل لِفَزَارَة كأَنَّهُ بمنزلة حقَّ لها ، أو حُقَّ لها أَنْ تَغْضَب.
قال : وفَزارة مَنْصوبٌ في البيت ، المعنى : جَرَمَتْهُم الطَّعْنَةُ الغَضَبَ ، أي كَسَبَتْهم.
وقال غير الفرّاء : حقيقة معنى لا جَرم ، أَنَّ «لا» نَفْيٌ هاهُنا لمَّا ظَنُّوا أنَّهُ يَنْفَعُهم ، فَرُدَّ ذلك عَليهم ، فقيل : (لا) يَنْفعُهم ذلك ، ثم ابْتَدأَ وقال : (جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) ، أي كَسب ذلك العملُ لهم الخُسْران ، وكذلك قوله : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) [النحل : ٦٢] ، المعنى : لا يَنْفَعُهم ذلك ، ثم ابتَدأ فقال : جرَمَ إِفْكُهُمْ وكَذِبُهم لهم عَذاب النَّار ، أي كَسَب لهم عَذابها ، وهذا من أَبْينَ ما قِيلَ فيه.
وقال الكسائيّ : من العَرَب من يقول : لا ذَا جَرَم ، ولا أَنْ ذَا جَرَم ، ولا عن ذا جَرَمَ ، ولا جَرَ ، بلا ميم ، وذلك أنهُ كَثر في كلامهم فَحُذِفَت الميم ، كما قالوا : (حاشَ لِلَّهِ) وهو في الأصل «حاشى». وكما قالوا : أيْش ، وإِنما هو أيّ شيء. وكما قالوا سَوْتَرى ، وإنَّما هو سَوْفَ تَرى.
قلت : وقد قيل لا صِلَةٌ في جَرَمَ ، والمعنى كَسَب لهم عَمَلُهم النَّدم.
وأخبرني المُنذريّ عن أبي العباس أنه أنشده :
يا أُمَّ عَمْرٍو بَيِّنِي لا أَوْ نَعمْ |
إنّ تَصْرِمي فراحةٌ ممَّن صَرَم |
|
أوْ تَصلِي الحَبْلَ فَقد رَثَّ ورَمّ |
قلت لها : بيني ، فقالت : لا جَرَمَ |
إنَّ الفِراقَ اليومَ ، واليومُ ظلمَ
قال : وأخبرَني الطُّوسِيّ عن الخَرَّازِ ، عن ابن الأعرابيّ ، قال : لا جَرَمَ ، لقد كان كذا وكذا ، أي حقّاً ، ولا ذا جَرَ ، ولا ذَا جَرَم.
والعربُ تَصِلُ كلامَها بِذا ، وذِي وذُو ، فيكون حَشْواً ولا يعتد بها وأنشد :
* إنَّ كِلاباً وَالِدِي لا ذَا جَرَم *
أبو عُبيد عن الأصْمَعِيّ : الجُرامَةُ ما الْتُقِطَ من التَّمر بعد ما يُصْرَم ويُلْقَطُ من الكَرَب.
عمرو عن أبيه قال : جَرِمَ الرّجل ، إذا صارَ يأْكل جُرَامةَ النّحْل بين السَّعَف.
وقال اللَّيث : جَرْم قَبيلَةٌ من اليمن ، وأقَمْت عندَه حَوْلاً مُجَرَّماً.
أبو عُبَيد عن أبي زَيد قال : الْعامُ الْمُجَرَّمُ الْماضي المُكَمَّل.
وروى ابنُ هانِي لأبي زيد : سَنَةٌ مُجَرَّمةٌ ، وشَهْرٌ مُجْرَّمٌ ، وكَريتٌ فيهما ، ويَوْمُ مُجْرَّم ، وكَرِيتٌ وهو التَّام.
وقال الليث : جَرَّمنا هذه السَّنَة ، أي خَرَجْنا مِنْها ، وتَجَرَّمت السَّنة.