محسوسة ، وفي هذه الحالة من الطبيعي أن يندم كل مجرم على جرمه وأفعاله السيئة ، ويفرّ منها فرار الذي يرى اقتراب ألسنة اللهب من جسمه.
ومن المسلم أن التكليف الإلهي والإختيار الرباني للبشر لا يقوم على أساس هذا النوع من المشاهدات والمكاشفات ، بل يقوم على أساس الإيمان بالغيب ، والمشاهدة بعيني العقل والقلب.
ولهذا نقرأ في الكتاب العزيز أنّ أبواب التوبة كانت تغلق في وجه بعض الأقوام العاصية عند ظهور طلائع العذاب الدنيوي والنقمة العاجلة ، وللمثال نقرأ قول الله سبحانه عن فرعون إذ يقول : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (١).
كما يستفاد من بعض الآيات القرآنية (مثل الآية ١٢ من سورة السجدة) إنّ العصاة يندمون عند ما يشاهدون العذاب الإلهي في الآخرة ، ولكن لات حين مندم ، فلا فائدة لندمهم في ذلك الوقت ، إن هؤلاء أشبه ما يكونون بالمجرمين الذين إذا شاهدوا أعواد المشنقة وأحسوا بالحبل على رقابهم ندموا على جرائمهم وأفعالهم القبيحة ، فمن الواضح أنّ مثل هذه التوبة وهذا الندم لا يعد فضيلة ، ولا مفخرة ولا تكاملا ، ولهذا لا يكون أي تأثير.
على أنّ هذه الآية لا تنافي الروايات التي نصت على إمكان قبول التوبة حتى عند اللحظة الأخيرة من الحياة ، لأن المراد في هذه الروايات هي اللحظات التي لم تظهر فيها بعد ملامح الموت وآثاره وطلائعه ، وبعبارة أخرى لم تحصل لدى الشخص العين البرزخية التي يقف بها على حقائق العالم الآخر.
هذا عن الطائفة الأولى الذين لا تقبل توبتهم ، وهم من يتوبون عند ما تظهر أمام عيونهم ملامح الموت وتبدو عليهم آثاره.
__________________
(١) يونس ، ٩٠ ـ ٩١.