وأمّا الطائفة الثّانية الذين لا تقبل توبتهم فهم الذين يموتون كفارا ، إذ يقول سبحانه : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ).
ولقد ذكر الله سبحانه بهذه الحقيقة في آيات أخرى في القرآن الكريم (١).
وهنا يطرح سؤال وهو : متى لا تقبل توبة الذين يموتون كفارا؟
احتمل البعض أن لا تقبل توبتهم في العالم الآخر ، واحتمل آخرون أن يكون المراد من التوبة ـ في هذا المقام ـ ليس هو توبة العباد ، بل توبة الله ، يعني عود الله على العبد وعفوه ورحمته له.
ولكن الظاهر هو أنّ الآية تهدف أمرا آخر وتقول : إن الذين يتوبون من ذنوبهم حال العافية والإيمان ولكنهم يموتون وهم كفار لا تقبل توبتهم ولا يكون لها أي أثر.
وتوضيح ذلك : إنّنا نعلم إن من شرائط قبول الأعمال «الموافاة على الإيمان» بمعنى أن يموت الإنسان مؤمنا ، فالذين يموتون وهم كفار تحبط أعمالهم السابقة حتى الصالحة منها حسب صريح الآيات القرآنية (٢). وتنتفي فائدة توبتهم من ذنوبهم حتى إذا تابوا حال الإيمان في هذه الصورة أيضا.
وخلاصة القول إنّ قبول التوبة مشروط بأمرين.
الأوّل : أنّ تتحقق التوبة قبل أن يرى الشخص علائم الموت.
والثّاني : أن يموت وهو مؤمن.
ثمّ أنّه يستفاد من هذه الآية أيضا إن على الإنسان أن لا يؤخر توبته ، إذ يمكن أن يأتيه أجله على حين غفلة ، فتغلق في وجهه أبواب التوبة ولا يتمكن منها حينئذ.
والملفت للنظر أن تأخير التوبة الذي يعبر عنه بالتسويف قد أردف في الآية
__________________
(١) آل عمران ـ ٩١ ، البقرة ، ١٦١ ، البقرة ، ٢١٧ ، محمّد ـ ٣٤.
(٢) البقرة ، ٢١٧.