برأسها ، لأنّه يقول : إلّا أن يكون التصرف في أموال الآخرين بسبب التجارة الحاصلة في ما بينكم ، والتي تكون عن رضا الطرفين.
فبناء على هذا تكون جميع أنواع المعاملات المالية والتبادل التجاري الرائج بين الناس ـ في ما إذا تمّ برضا الطرفين وكان له وجه معقول ـ أمرا جائزا من وجهة نظر الإسلام (إلّا الموارد التي ورد فيها نهي صريح لمصالح خاصّة).
ثمّ أنّه تعالى ينهى في ذيل هذه الآية عن قتل الإنسان لنفسه إذ يقول : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وظاهر هذه الجملة بقرينة قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) النهي عن الانتحار ، يعني أنّ الله الرحيم كما لا يرضى بأن تقتلوا أحدا ، كذلك لا يسمح لكم ولا يرضى بأن تقتلوا أنفسكم بأيديكم ، وقد فسّرت الآية الحاضرة في روايات أهل البيتعليهمالسلام بالانتحار أيضا (١).
وهنا يطرح سؤال وهو : أي ارتباط بين مسألة قتل الإنسان لنفسه ، و «التصرف الباطل في أموال الناس»؟
إنّ الجواب على هذا السؤال واضح تماما ، وفي الحقيقة يشير القرآن بذكر هذين الحكمين بصورة متتالية إلى نكتة اجتماعية مهمّة ، وهي أنّ العلاقات الاقتصادية في المجتمع إذا لم تكن قائمة على أساس صحيح ، ولم يتقدم الإقتصاد الاجتماعي في الطريق السليم ، ووقع الظلم والتصرف العدواني في أموال الغير أصيب المجتمع بنوع من الانتحار ، وآل الأمر إلى تصاعد حالات الانتحار الفردي مضافا إلى الانتحار الجماعي الذي هو من آثار الانتحار الفردي ضمنا.
إنّ الحوادث والثورات التي تقع في المجتمعات العالمية المعاصرة خير شاهد وأفضل دليل على هذه الحقيقة ، وحيث أنّ الله لطيف بعباده رحيم بخلقه فقد أنذرهم وحذرهم من مغبة الأمر ، وحثّهم على تجنب المبادلات الاقتصادية
__________________
(١) راجع تفسير مجمع البيان ، ذيل الآية ، وتفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٤٧٢.