والآن يطرح هذا السؤال ، وهو : كيف تتمّ شهادة الأنبياء على أعمال أممهم ، وكيف تكون؟
إذا كانت كلمة «هؤلاء» إشارة إلى المسلمين كما جاء في تفسير مجمع البيان ، فإن الجواب على هذا السؤال يكون واضحا ، لأنّ كل نبيّ ما دام موجودا بين ظهراني أمّته فهو شاهد على أعمالهم ، وبعده يكون أوصياؤه وخلفاؤه المعصومون هم الشهداء على أعمال تلك الأمّة ، ولهذا جاء في حق المسيح عليهالسلام أنّه يقول في يوم القيامة في جواب سؤال الله سبحانه إيّاه : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ، وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١).
ولكن بعض المفسرين احتمل أن تكون لفظة «هؤلاء» إشارة إلى شهود الأمم السابقة ، يعني أنّنا نجعلك أيّها النّبي شهيدا على شهداء الأمم من الأنبياء ، وقد أشير في بعض الروايات إلى هذا التّفسير (٢) وعلى هذا يكون معنى الآية هكذا : إنّ كل نبيّ شاهد على أعمال أمّته جميعها في حياته وبعد مماته عن طريق المشاهدة الباطنية والروحانية ، وهكذا الحال بالنسبة إلى رسول الإسلام ، فإنّ روحه الطاهرة ناظرة ـ عن هذا الطريق أيضا ـ على أعمال أمّته وجميع الأمم السابقة ، وبهذا الطريق يمكنه أن تشهد على أفعالهم وأعمالهم ، بل وحتى الصلحاء من الأمّة والأبرار الأتقياء منها يمكنهم الاطلاع والحصول على مثل هذه المعرفة ، فيكون المفهوم من كل ذلك وجود روح النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم من بدء الخلق ، لأنّ معنى الشّهود هو العلم المقترن بالحضور ، ولكن هذا التّفسير لا ينسجم مع ما نقل عن السيد المسيح ، لأنّ الآية المذكورة تقول : إنّ المسيح لم يكن شاهدا على أمّته جمعاء ، بل كان شاهدا عليها ما دام في الحياة (فتأمل).
__________________
(١) المائدة ، ١١٧.
(٢) راجع تفسير نور الثقلين والبرهان في ذيل الآية.