الأفعال الحسنة إذا كان ـ كذلك ـ في حدود الاعتدال ، ولم يكن الإتيان بتلك الأعمال الصالحة بدافع الحصول على ذلك ، لأن كل ذلك من غريزة الإنسان ومقتضى فطرته. ولكن أولياء الله ومن هم في المستويات العليا من الإيمان بعيدون حتى من مثل هذا الابتهاج المباح وحبّ التقدير الغير المذموم.
إنّهم يرون أعمالهم دائما دون المستوى المطلوب ، ويشعرون أبدا بالتقصير تجاه ربّهم العظيم ، وبالتفريط في جنبه سبحانه وتعالى.
على أنّه ينبغي أن لا نتصور أنّ الآية الحاضرة ـ مورد البحث ـ تختص بأهل النفاق في صدر الإسلام أو من شاكلهم ـ في كل عصر وزمان ـ وفي جميع الظروف والمجتمعات المختلفة ، ممن يفرحون ويبتهجون بأعمالهم القبيحة أو يحركون الآخرين ليحمدوهم على ما لم يفعلوه بالقلم أو اللسان.
إنّ مثل هؤلاء مضافا إلى العذاب الأليم في الآخرة ، سيصيبهم ـ في هذه الحياة ـ غضب الناس وسخطهم ، وسيؤول أمرهم إلى الانفصال عن الآخرين وإلى غير ذلك من العواقب السيئة.
ثمّ إنّ الله سبحانه يقول في آية لاحقة : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وهذا الكلام يتضمن بشرى للمؤمنين ، وتهديدا للكافرين ، فهي تقول:إنّه لا داعي لأن يسلك المؤمنون لإحراز التقدم طرقا وسبلا منحرفة ، وأن يحمدوا على ما لم يفعلوه ، ذلك لأنّهم يقدرون أن يواصلوا تقدمهم ، ويحرزوا النجاحات بالاستفادة من السبل المشروعة والصحيحة وفي ظل قدرة الله خالق السماوات والأرضين ، كما أنّه على المنافقين والعصاة أن لا يتصوروا أنّهم قادرون على إحراز شيء أو على الخلاص والنجاة من عقاب خالق الكون وربّ السماوات والأرضين بسلوك هذه السبل المنحرفة واستخدام هذه الأساليب غير المشروعة!.
* * *