بالشفاء والتحسن قد تغلق في مثل هذه الحالة التي تنذر بقدوم الموت المحتم.
والشرك كهذا المرض الأخير يشل مركزا حساسا في روح الإنسان ، وينشر الظلمة في نفسه ، وإذا استمر الشرك فلا أمل يرتجى في نجاة الإنسان ، بينما لو بقيت حقيقة التوحيد وعبادة الواحد الأحد التي هي ينبوع كل فضيلة وحركة ... لو بقيت هذه الحقيقة حية فلا يعدم الإنسان الآمل في غفران ذنوبه الأخرى ، وفي هذا المجال تقول الآية الكريمة : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).
وقد قلنا : بأنّ هذه الآية قد تكررت مرّتين في هذه السورة ، وما ذلك إلّا لتزيل آثار الشرك والوثنية ـ وإلى الأبد ـ من نفوس أولئك الناس الذين ظل الشرك يعشش في أعماق نفوسهم لآماد طويلة ، ولتظهر آثار التوحيد المعنوية والمادية على وجوه هؤلاء.
ولكن تتمة الآيتين تختلف في إحداهما عن الأخرى اختلافا طفيفا ، حيث تقول الآية الأخيرة : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) بينما الآية السابقة تقول : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً).
وفي الحقيقة فإنّ الآية السابقة تشير إلى الفساد العظيم الذي ينطوي عليه الشرك فيما يخص الجانب الإلهي ، ومعرفة الله ، أمّا الآية الأخيرة فقد بيّنت الأضرار التي يلحقها الشرك بنفس الإنسان والتي لا يمكن تلافيها ، فهناك تبحث الآية في الجانب العلمي من القضية،وهنا تتناول الآية الأخيرة الجانب العملي منها ونتائجها الخارجية.
ويتّضح من هذا أنّ الآيتين تعتبر إحداهما بالنسبة للأخرى بمثابة اللازم والملزوم بحسب الاصطلاح (وقد اشتمل الجزء الثّالث من نفس هذا التّفسير على توضيحات أكثر حول هذه الآية).
* * *