الضلال ولم يكتفوا بهذا الحدّ ، بل تمادوا في غيّهم ، فارتكبت أياديهم الآثمة جريمة كبرى ، إذ عمدوا إلى قتل الهداة والقادة إلى طريق الحق من أنبياء الله ، إيغالا منهم في اتباع طريق الباطل والابتعاد عن طريق الحق.
لقد كان هؤلاء اليهود بدرجة من العناد والصلف والوقاحة ، بحيث كانوا يواجهون كلام الأنبياء بالسخرية والاستهزاء ، ووصل بهم الأمر إلى أن يقولوا بكل صراحة أنّ قلوبهم تغطيها حجب عن سماع وقبول قول الأنبياء! تقول الآية الأولى من الآيات الأربع الأخيرة:(فَبِما نَقْضِهِمْ (١) مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ ...).
وهنا يؤكّد القرآن الكريم أنّ قلوب هؤلاء مختومة حقا ، بحيث لا ينفذ إليها أي حقّ،وسبب ذلك هو كفرهم وانعدام الإيمان لديهم ، فهم لا يؤمنون لعنادهم وصلفهم إلّا القليل منهم.
وقد تجاوز هؤلاء المجرمون الحدّ ، فالصقوا بمريم العذراء الطاهرة تهمة شنيعة وبهتانا عظيما ، هي أمّ لأحد أنبياء الله الكبار ، وذلك لأنّها حملت به بإذن الله دون أن يمسها رجل، تقول الآية في هذا المجال : (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً).
وقد تباهي هؤلاء الجناة وافتخروا بقتلهم الأنبياء ، وزعموا أنّهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم رسول الله ، تقول الآية : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ ...)ولعل هؤلاء كانوا يأتون بعبارة «رسول الله» استهزاء ونكاية ، وقد كذبوا بدعواهم هذه في قتل المسيح ، فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه ، بل صلبوا شخصا شبيها بعيسى المسيحعليهالسلام ، وإلى هذه الواقعة تشير الآية بقولها : (وَما قَتَلُوهُ وَما
__________________
(١) إن عبارة «فبما نقضهم» من ناحية الإعراب جار ومجرور ، ويجب أن يكون لها عامل محذوف قد يكون تقديره «لعناهم» أو جملة «حرمنا عليهم» الواردة في الآية (١٦٠) التالية ، وعلى هذا الأساس فإن ما ورد في هذا الإطار يكون بمثابة جملة معترضة ، تضفي في مثل هذه الحالة جمالا أكثر على الكلام القرآني البليغ.