وعلى الرغم من أنّ البعض أساء الاستفادة من هذه العبارة وفسّرها بأنّ المسيح عليهالسلام هو جزء من الله سبحانه وتعالى ، مستندا إلى عبارة «منه» ولكن الواضح في مثل هذه الحالات أن كلمة «من» ليست للتبعيض ، بل تدل على مصدر ومنشأ وأصل وجود الشيء.
وهناك طرفة تاريخية تذكر أنّه كان لهارون الرشيد طبيب نصراني ، دخل يوما في نقاش مع «علي بن الحسين الواقدي» وهو أحد المفكرين الإسلاميين في ذلك العصر ، فقال له هذا الطبيب : «توجد في كتابكم السماوي آية تبيّن أنّ المسيح عليهالسلام هو جزء من الله ...» وتلا هذا النصراني الآية موضوع البحث ، فرد عليه «الواقدي» مباشرة تاليا هذه الآية : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ...) (١) ، وأضاف مبيّنا أنّ كلمة «من» لو كانت تفيد التبعيض ، لاقتضى ذلك أن تكون جميع موجودات السماء والأرض ـ بناء على هذه الآية ـ جزءا من الله ، فلما سمع الطبيب النصراني كلام الواقدي أسلم في الحال ، وسر إسلامه هارون الرشيد فكافأ الواقدي بجائزة مناسبة (٢).
إنّ ما يثير العجب ـ إضافة إلى ما ذكر ـ هو أنّ المسيحيين يرون ولادة المسيح من أمّ دون أب دليلا على ألوهيته ، وهم ينسون في هذا المجال أن آدم عليهالسلام كان قد ولد من غير أب ، ولا أم ، ولم ير أحد هذه الخصيصة الموجودة في آدم دليلا على ربوبيته.
بعد ذلك تؤكّد الآية على ضرورة الإيمان بالله الواحد الأحد وبأنبيائه ، ونبذ عقيدة التثليث ، مبشرة المؤمنين بأنّهم إن نبذوا هذه العقيدة فسيكون ذلك خيرا لهم حيث قالت الآية : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ...).
__________________
(١) الجاثية ، ١٣.
(٢) تفسير المنار ، الجزء السادس ، ص ٨٤.