بعد المقاربة الجنسية (حتى لو لم تؤد إلى خروج المني).
وقد أوضحت الآية ـ في آخرها ـ أنّ الأوامر الإلهية ليس فيها ما يحرج الإنسان أو يوجد العسر له ، بل إنها أوامر شرعت لتحقق فوائد ومنافع معينة للناس ، فقالت الآية (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وتؤكد هذه العبارات القرآنية الأخيرة أنّ جميع الأحكام والأوامر الشرعية الإلهية والضوابط الإسلامية هي في الحقيقة لمصلحة الناس ولحماية منافعهم ، وليس فيها أي هدف آخر ، وإنّ الله يريد بالأحكام الأخيرة الواردة في الآية ـ موضوع البحث ـ أن يحقق للإنسان طهارته الجسمانية والروحية معا.
ويجب هنا الانتباه إلى أن جملة (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) مع أنّها وردت في أواخر الآيات التي اشتملت على أحكام الغسل والوضوء والتيمم ، إلّا أنّها تبيّن قانونا عامّا معناه أنّ أحكام الله ليست تكاليف شاقّة أبدا ، ولو كان في أي حكم شرعي العسر والحرج لأي فرد لسقط التكليف عن هذا الفرد بناء على الاستثناء الوارد في الجملة القرآنية الأخيرة من الآية موضوع البحث ، ولهذا لو كان الصوم يشكل مشقة وعناء على أي فرد بسبب مرض أو شيخوخة أمّا ما شابه ذلك ، لسقط أداؤه عن هذا الفرد وارتفع التكليف عنه ، بناء على هذا الدليل نفسه.
ولا يخفى ـ أيضا ـ أنّ هناك من الأحكام الإلهية ما يظهر فيها الصعوبة والمشقة بذاتها مثل حكم الجهاد ، إلّا أنّه ولدى مقارنة المصالح التي تتحقق بالجهاد مع الصعوبات والمشاق التي فيه ، تترجح كفة المصالح وأهميتها فلا تكون المشاق أمامها شيئا يذكر ، وقد سمي القانون الذي أثبتته الجملة القرآنية الأخيرة بقانون «لا حرج» وهو مبدأ أساسي يستخدمه الفقهاء في أبواب مختلفة ويستنبطون منه أحكاما كثيرة.
* * *