الميثاق الفطري الذي أخذه منهم والوفاء به.
وبديهي أنّ يشمل هذا العهد الواسع جميع المسائل والأحكام الدينية.
ولا مانع مطلقا من أن تكون في هذه الآية إشارة إلى جميع العهود والمواثيق التكوينية والتشريعية التي أخذها الله أو النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من المسلمين بمقتضى فطرتهم في مراحل مختلفة،وهنا يتوضح لنا الحديث القائل بأنّ المراد من الميثاق هو العهد الذي أخذه النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم من المسلمين في حجّة الوداع بخصوص ولاية علي بن أبي طالب عليهالسلام (١) ويتفق هذا التّفسير مع ما ورد أعلاه.
وقد أكّدنا مرارا أنّ التفاسير التي ترد على الآيات القرآنية ، ما هي إلّا إشارة لواحد من المصاديق الجلية المعنية في كل آية ، ولا تعني مطلقا انحصار المعنى بالتّفسير الوارد.
وتجدر الإشارة ـ أيضا ـ إلى أنّ كلمة «ميثاق» مشتقّة من المصدر «وثاقة» أو «وثوق» وتعني الشدّ المحكم بالحبل وأمثاله ، كما يطلق على كل عمل يؤدي إلى راحة البال واطمئنان الخاطر ، حيث أنّ العهد يكون بمثابة عقدة تربط شخصين أو جماعتين أحدهما بالآخر ، ولذلك سمّى «ميثاقا».
وفي النهاية تؤكّد الآية على ضرورة التزام التقوى ، محذرة أنّ الله محيط بأسرار البشر،وعالم بما يختلج في صدورهم ، بقولها : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
وتدل عبارة (ذاتِ الصُّدُورِ) على أنّ الله عالم بأدقّ أسرار البشر المكنونة في أعماق نفوسهم والتي لا يمكن لأيّ مخلوق معرفتها غير صاحب السرّ وخالقه ، أي الله العالم بذات الصدور.
وقد شرحنا في الجزء الأوّل من تفسيرنا هذا سبب نسبة العواطف والمشاعر والنوايا والعزائم إلى القلب أو إلى مكنونات الصدور.
* * *
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٤٥٤.