قلوب مجموعة من اليهود! والذي نعرفه هو أنّ هذه القسوة ما هي إلّا نتيجة لارتكاب الذنوب والانحرافات ، فكيف إذن ينسب الله فعل جعل القسوة في قلوب أولئك اليهود إلى نفسه؟ ولو كان هذا الفعل من الله ، فكيف يكون أولئك الأشخاص مسئولين عن أعمالهم،ألا يعتبر هذا نوعا من الجبر؟
ولدي الإمعان بدقة في الآيات القرآنية المختلفة ، ومنها الآية موضوع البحث ، يتبيّن لنا أنّ الأشخاص إنما يحرمون ـ بسبب اخطائهم وذنوبهم ـ من لطف الله ورحمته وهدايته،وأن أعمالهم هذه في الحقيقة مصدر لمجموعة من الانحرافات الفكرية والأخلاقية،بحيث يستحيل على الإنسان ـ أحيانا ـ أن يجنب نفسه عواقبها ونتائجها.
وبما أنّ العلل ـ أو الأسباب ـ تعطي آثارها بإذن الله ، لذلك نسب مثل هذه الآثار في القرآن الكريم إلى الله ، ففي الآية موضوع البحث نقرأ أنّ اليهود ـ نتيجة لنقضهم الميثاق ـ جعل الله قلوبهم قاسية. كما نقرأ في الآية (٢٧) من سورة إبراهيم قوله تعالى (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) وفي الآية (٧٧) من سورة التوبة نقرأ قوله سبحانه : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ).
وواضح أنّ هذه الآثار السيئة تنبع من عمل الإنسان نفسه ، ولا تناقض في هذا الأمر حرية الإرادة والإختيار ، لأنّ مقدمات تلك الآثار تكون من عمل الإنسان وتصدر عنه بعلمه واختياره ، ولأنّ آثار عمله هي النتيجة الحتمية للعمل نفسه ، وعلى سبيل المثال لو أنّ إنسانا تناول شيئا من المشروبات الكحولية ، وحصلت لديه حالة من السكر ، فقام على أثر هذه الحالة بارتكاب جريمة معينة ، فهو وإن كان لا يمتلك إرادته في حالة السكر ، إلّا أنّه قبل ذلك أقدم على شرب الخمرة مختارا ومدركا لما يفعل ، وبذلك هيّأ بنفسه مقدمات العمل الجنائي ، وهو يعمل احتمال صدور هذا العمل منه في حالة السكر ، ولذلك فهو مسئول عن هذا