أمّا كلمة «فترة» الواردة في الآية فهي تعني في الأصل الهدوء والسكينة كما تطلق على الفاصلة الزمنية بين حركتين أو جهدين أو نهضتين أو ثورتين.
وقد شهدت الفاصلة الزمنية بين موسى عليهالسلام وعيسى عليهالسلام عددا من الأنبياء والرسل، بينما لم يكن الأمر كذلك في الفاصلة الزمنية بين عيسى عليهالسلام والنّبي محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم،ولذلكأطلق القرآن الكريم على هذه الفاصلة الأخيرة اصطلاح (فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) والمعروف أن هذه الفترة دامت ستمائة عام تقريبا (١).
أمّا ما جاء في القرآن ـ في سورة يس الآية ١٤ ـ وما ذكره المفسّرون ، فيدلان على أنّ ثلاثة من الرسل ـ على الأقل ـ قد بعثوا في الفاصلة الزمنية بين النّبي عيسى عليهالسلام ونبيّ الإسلامصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد ذكر البعض أنّ أربعة من الرسل بعثوا في تلك المدة ، وعلى أي حال لا بدّ أن تكون هناك فترة خلت من الرسل بين وفاة أولئك الرسل والنّبي محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم،ولذلك عبّر القرآن عن تلك الفترة الخالية من الرسل بقوله : (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ).
سؤال :
وقد يعترض البعض بأنّه كيف يمكن القول بوجود مثل تلك الفترة مع أنّ الإعتقاد السائد لدينا يقضي بأن المجتمع البشري لا يمكن أن يخلو ولو للحظة من رسول أو إمام معين من قبل الله سبحانه وتعالى؟
الجواب :
إنّ القرآن الكريم حين يقول : (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) إنّما ينفي وجود الرسل في تلك المدّة ، ولا يتنافى هذا الأمر مع القول بوجود أوصياء للرسل في ذلك الوقت.
__________________
(١) ويرى البعض أنّ هذه الفترة تبلغ أكثر من ستمائة عام ، وآخرون يرون أنّها أقل من هذه المدّة واستنادا على قول البعض فإنّ الفاصلة الزمنية بين ولادة المسيح عليهالسلام وهجرة نبي الإسلام محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ووفق التاريخ الميلادي تبلغ ٦٢١ عاما و ٩٥ يوما (تفسير ابن الفتوح الرازي ، ج ٤ ، هامش الصفحة ١٥٤).