والذي حصل حقيقة هو أنّ بني إسرائيل لم يقتنعوا بأي من الاقتراحات المذكورة ، فهم بسبب الضعف والجبن المتأصلين في نفوسهم خاطبوا موسى عليهالسلام وأخبروه صراحة بأنّهم لن يدخلوا تلك الأرض ما دام العمالقة موجودين فيها ، وطالبوا موسى أن يذهب هو وربه لمحاربة العمالقة وسألوه أن يخبرهم عن انتصاره حيث هم قاعدون ، وفي هذا المجال تقول الآية الكريمة : (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ).
وتبيّن هذه الآية مدى الوقاحة التي وصل إليها بنو إسرائيل في مخاطبة نبيّهم موسىعليهالسلام ، فهم بقولهم «لن» و «أبدا» أكدوا رفضهم القاطع للدخول إلى الأرض المقدسة، كما أنّهم استخفوا بموسى عليهالسلام ودعوته واستهزءوا بهما ، بقولهم : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ...) كما أنّهم ـ أيضا ـ لم يعيروا التفاتا لاقتراح الرجلين المؤمنين المذكورين في الآية ، ولم يبدوا حيال ذلك أي جواب.
والطريف في الأمر أن التوراة المتداولة قد أوردت أجزاء مهمّة من هذه القصة ، في الباب الرابع عشر من سفر الأعداد ، حيث جاء فيها أن جميع بني إسرائيل لاموا موسى وهارون أخاه وقالوا جميعا : ليتنا متنا جميعا في أرض مصر أو في الفلاة ، فلما ذا جاء بنا الرّب إلى هذه الأرض لكي نقتل بحدّ السيف ، وتسبى عيالنا وأطفالنا بعدنا ... فحار موسى وأخاه هارون أمام القوم ، ما ذا يفعلان؟ أمّا يوشع بن نون وكاليب بن يفنة ، اللذان كانا من مجموعة الرجال الذين ذهبوا للتجسس على تلك الأرض فقد شقا جيبهما ... ثمّ نقرأ في الآية التالية أنّ موسى أصابه اليأس والقنوط من القوم ، ورفع يديه للدعاء مناجيا ربّه قائلا:إنّه لا يملك حرية التصرف إلّا على نفسه وأخيه ، وطلب من الله أن يفصل بينهما وبين القوم الفاسقين العصاة ، لكي يلقى هؤلاء جزاء أعمالهم ويبادروا إلى إصلاح أنفسهم،حيث تقول الآية الكريمة في هذا المجال : (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ).