وربما كان سبب ورود الجملة الأخيرة ، هو أنّ موسى عليهالسلام قد ثارت عاطفته بعد أن علم بالعذاب الذي كتبه الله على بني إسرائيل ، فطلب من الله العفو لقومه ـ كما ورد في التوراة المتداولة ـ فأجابه برد سريع أوضح له أن بني إسرائيل يستحقون ذلك العذاب ، وهم لا يستحقون العفو الإلهي لأنّهم أناس فاسقون وعصاة ، متكبرون ، ومن كان هذا شأنه سيلاقي ـ حتما ـ مثل هذا المصير.
ويجب الانتباه إلى أنّ حرمان بني إسرائيل من الدخول إلى الأرض المقدسة ، لم يكن له طابع للانتقام (كما أن جميع العقوبات الإلهية ليس فيها طابع انتقامي ، بل هي إما أن تكون لأجل تقويم شخصية الفرد ، أو تكون نتيجة لأخطائه ومعاصيه.
وقد اشتمل هذا الحرمان على فلسفة خاصّة ، حيث تحرر بنو إسرائيل بعد معاناة طويلة قاسوها في ظل الكبت والقمع الفرعوني اللذين خلفا فيهم عقد الإحساس باحتقار النفس والذل والضعة والنقص ، لذلك فهم لم يبدوا استعدادا لتطهير أنفسهم وأرواحهم في تلك الفترة بعد التحرر وفي ظل قيادة وزعامة نبيّهم موسى عليهالسلام كما لم يكونوا مستعدين لتلك القفزة المعنوية التي كان من شأنها أن تهيء لهم حياة جديدة مقرونة بالفخر والعز والسؤدد ، وجوابهم لموسى عليهالسلام ـ الذي اشتمل على رفضهم الدخول إلى ميدان الجهاد التحرري في الأرض المقدسة ـ خير دليل على هذه الحقيقة.
لذلك كان من الضروري أن يعاني بنو إسرائيل من التيه والضياع في الصحراء ، ليزول الجيل الضعيف العاجز منهم بشكل تدريجي وليحل محله جيل جديد في محيط الصحراء،محيط الحرية وفي أحضان التعاليم الإلهية ، وقد صقلت نفوسهم حياة الصحراء القاسية الضارية ، ووهبت لأرواحهم وأنفسهم القوة والقدرة ، وأعدتهم لخوض غمار ذلك الجهاد ليقيموا حكومة الحق في تلك الأرض المقدسة!
* * *