بن عمر كيف أن التدبير في الكون يدلّنا على ربنا العزيز فيقول :
(يا مفضل أول العبر والأدلة على الباري جل قدره تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ، ونظمها على ما هي عليه ، فانك إذا تأمّلت العالم بفكرك وميّزته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج اليه عباده ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ، والنجوم منضودة كالمصابيح ، والجواهر مخزونة كالذخائر ، وكل شيء فيها شأنه معد ، والإنسان كالمملّك ذلك البيت والمخوّل جميع ما فيه ، وضروب النبات مهيّأة لمآربه ، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه ، ففي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة ، ونظام وملاءمة ، وأن الخالق لهو واحد ، وهو الذي ألّفه ونظّمه بعضا الى بعض جلّ قدسه ، وتعالى جده وكرم وجهه ولا اله غيره تعالى عما يقول الجاحدون وجلّ وعظم عمّا ينتحله الملحدون.(١)
ذلك لأنك حين ترى كل شيء في الدنيا يحقق هدفا ، ويسعى في سبيل بلوغ غاية محددة ، فتتذكّر حقيقة هامة في ذاتك ، هي أنك بدورك خلقت لهدف ومن أجل بلوغ غاية ، وهذه التذكرة تصبح حجر الزاوية في بناء كيانك الفكري ، إذا تتساءل ما هو الهدف؟ وكيف أحقّقه؟ وما هي الغاية وكيف الوصول إليها؟ وعبر سلسلة من التساؤلات التي تؤدي بك الى التدبّر العميق في نفسك ، وفي آفاق الكون حولك ، تصل الى الهدف الأساسي من خلقك ، ذلك هو العروج الى مقامك الأسمى عند الله ، وتبحث عن الوسيلة التي تساعدك على الوصول الى مقامك المنشود عند الله ، الى مرضاة ربك العزيز المقتدر ، فلا تجدها الّا في التقوى ، لذلك جاء فيما بعد الآية «إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ... لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ» وجاء في آية أخرى : «وَيَتَفَكَّرُونَ
__________________
(١) بح ج ٣ ص ٦٠