أما مدينة بيهق ، فلا يوجد فيها شيء مختص بها من تلك الآفات التي ذكرناها ، اللهم إلا الأمراض التي اعتاد الناس أن يبتلوا بها ، وأكثر أمراض هذه المدينة يجيء من الحرارة ، والمرضى بهذه المدينة قليلون بتقدير الله تعالى.
ذكر أمهات البلدان
إن كل بلدة يقال لها «أم» تعني أنها أصل ، ففي بلاد العرب أم القرى هي مكة ، قال تعالى (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها)(١) ؛ وفي العراق في الزمن القديم كانت أم القرى البصرة ، والآن هي بغداد التي يسمونها دار السلام ؛ وأما فيما دون بغداد فأم القرى أصفهان ؛ وفي كابل ، أم القرى غزنة ؛ وفي ما وراء النهر ، أم القرى سمرقند ؛ وفي خراسان أم القرى مرو ؛ وببلاد الشام ، أم القرى دمشق ، وقالوا : بيت المقدس ؛ وفي الروم أم القرى القسطنطينية ؛ وبطبرستان ، أمّ القرى آمل ؛ وفي كرمان ، أم القرى جيرفت ؛ وببلاد الصين ، أم القرى كاجغر (٢) ؛ وأما العواصم والثغور فليس بها أمهات قرى يعتد بها.
فصل في بيان أن التعويل على هواء المدن دون العناصر الأخرى
تباحث الحكماء في تعليل قول الناس : إن هواء هذه المدينة وماءها وترابها أحسن وأطيب مما هو في مدينة أخرى ، ولم يقولوا هذه المقالة في النار التي هي رابعة العناصر الأربعة : الهواء والماء والتراب والنار ، فلم نجد أحدا يقول إن نار هذه المدينة أشدّ حرا أو لهبا أو إحراقا من نيران المدن الأخرى.
وفي الجواب على ذلك قالوا : إن النار أقل هذه العناصر قبولا [٣٣] للتأثير ،
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية ٩٢.
(٢) هكذا كتبها المؤلف ، والمعروف أنها تكتب كاشغر ، ورد في حدود العالم (ص ٩٦): «كاشغر : من بلاد الصين لكنها تقع في الحد بين يغما والتبت والخرخيز والصين».