وأجمعها لأقسام السعادة والإقبال ؛ ولو كانت أسباب الإمكان في هذه الدولة مؤاتية ، وأحكامه بكل ما أهواه وأتمناه عندي متناهية ؛ لجددت لنفسي عهد الشباب ، وأنشأت فيها كلما أردت قوة الانجذاب وقدرة الاغتراب ؛ وما رضيت بأن يخلفني في تلك الخدمة أحد ، وينوب عني في لزوم الباب عليها أخ ولا ولد ؛ ولكني إن حرصت على ذلك كبير السن ، كثير الوهن ، لا يكاد يحمل جسدي ، ما لا يزال يقع في خلدي ؛ ثم قد ارتهنني بهذه الناحية جهاد هؤلاء القفص الملاعين ، وجلادهم ما بين ظاهر كيدهم المتين ؛ فإن غفلت عنهم أدنى غفلة وقعوا في أهلها وقعة الذيب ، وانتهزوا الفرصة في أكثر ما يحدثون به أنفسهم من أنواع الأكاذيب ؛ ولما رأى السلطان الأعظم يمين الدولة خلد الله ملكه ، أن يستخدم العبد إبراهيم فيها ، ويستنهض هو مع معاونيه لينفضوا من شرهم أطرافها ونواحيها ؛ وينفذ العبد أبا الحسن مكانه ، وقد أعطاه الله وسعه وإمكانه ؛ لينوب فيما تغيب عنه منابه ، وينتصب له انتصابه ، ورجوت أن يعظم الله أجره وثوابه ؛ على ما أوجبه [١١٥] من حسن هذا النظر وأن أتخلص من معظم ما أعانيه ، وأتصرف في معانيه ، على موجب استطاعة البشر ودواعيه ؛ لا زالت نعم مولانا صاحب الجيش بحيث لا يباريها عدد الرمال كثرة واتساعا ، ولا تباهيها مناكب الجبال علوا وارتفاعا ؛ وأدام الله اعتضادي بولائه ، وانخراطي في سلك خدمه وأوليائه ؛ فإن عزّي بذلك مرتفع الذرى والغوارب ، ومجدي به معقود العرى بذوائب الكواكب ؛ والمدعو يسمع ويستجيب ، وهو سميع قريب.
ويعود أصل الشيخ أبي سعيد جمعة بن علي البندار إلى المختارين وأصله من ربع زميج من قرية كيذقان ، وكان سيدا فاضلا وحاسبا كفوءا ، وأوكل إليه عمل البندرة (١)
__________________
(١) عرّفنا بالبندرة فيما مضى وقلنا إنها وظيفة جباية الضرائب المستحصلة على البضائع والممتلكات ويدعى القائم بها بندارا.